عبروا الجسر فأمتعوا

فرقة الدن للثقافة والفن أثبتت بأنها أيضا قادرة على المغامرة والإبداع..
هذا ما أوضحه العرض المسرحي الذي قدمته الفرقة مساء البارحة حاملا عنوان "الجسر" وهو النص الجميل الذي قرأته منذ زمن للمبدعة المنغمسة تماما في الفعل المسرحي آمنة الربيع..
وبرغم الملاحظات الكثيرة التي لدي على المخرجين محمد النبهاني وسعيد البوسعيدي إلا أنني لابد أن أقول لهذه الفرقة: قد ابدعتم.. وقد كنتم على مقدار المسؤولية الملقاة على عاتقكم، فالمنصة مسؤولية أمام الجمهور، أمام أنفسكم أيضا وهذا أمر مهم
لقد كانت مسرحية الجسر مثلما يقال: ختامها مسك، وبرغم أن مهرجان المسرح العماني من قبل أن يبدأ كانت تعترضه العديد من المشكلات والعقبات وكانت انطلاقته باعتذار الرزحة عن التقديم جراء تلك العقبات التي أعقبت الإعلان عن نية إقامته
إلا أن التجارب التي حاولت أن تثبت نفسها كفيلة بأن تقول لنا جميعا بأن ثمة ضوءا ينير وعلينا اللحاق به.. هذا ما قالته الجسر مساء البارحة، إذ لم يسبق لي أن رأيت فرقة الدن وقد قدمت عملا راقيا كما قدمت البارحة، بل إنها تخلصت كثيرا من عقدة المجتمع والعرض الاجتماعي والرسالة الخطابية، وغامرت بتقديم أفكار جديدة مغايرة بالنسبة لها، وأحسنت الاختيار، فآمنة الربيع اسم مسرحي مميز جدا، وهذا النص واحد من نصوصها الجميلة جدا..
مع ذلك، ثمة ملاحظات تنصب أولا وأخيرا في الإخراج
لا يعني بأي حال من الأحوال أن الجماهير الغفيرة كانت مندمجة مع هذا العرض، فهي ـ أي الجماهير ـ غالبا كانت قادمة من بلد الفرقة وبمبدأ عاطفي، وهذا يحسب للفرقة ولهؤلاء الناس، ولكنه يلقي بعبء إضافي على المخرجين، كي يقدما عملا مغايرا، وهما هنا لم يفجرا كل الإمكانيات التي لديهما، بل عمدا إلى استغلال فقير لتلك الإمكانيات
وهنا أتساءل عن المنصة والفضاء المسرحي الذي لم يستغل كفاية، وعن نظام التقطيع أو الإظلام الذي هو نهج كلاسيكي في التعاطي مع العروض المسرحية، بحيث تظلم المنصة للحظات ريثما يتم تغيير المشهد، هذا التغيير الذي هو تغيير لديكورات العمل، وهنا في هذا العرض لم تكن هناك أي ديكورات ثقيلة تحتاج إلى وقفة للتغيير والتعديل، فالعمل ينتهج في ديكوره البساطة المعبرة والاشتغال على مساحات الضوء..
لم يستغل تلك المساحات لا محمد ولا سعيد، وعمدا إلى المشهد التقليدي برغم أن المسرحية ليست تقليدية
الأمر الآخر هو مبالغة الممثلين في ادائهم، فإدريس رغم لياقته ورغم أنه جاء مفاجأة أخرى من مفاجآت مهرجان المسرح العماني إلا أنني كنت أراه يبالغ لدرجة أحسست معها أنه يصطنع أداءه، ويقدم الشخصية من الخارج لا من داخلها، فلم يصل الإحساس بمأساة الشخصية المسرحية..
الأمر أيضا مع الممثلين الآخرين، فكان الجميع يصر على الافتعال والمبالغة، والأداء الجيد يبدأ من العفوية وإمساك الشخصية من عمقها، وأما الفنانة منيرة الحاج فقد وقفت لأول مرة على المنصة وفجرت مفاجأة سارة، ولكنها لم تصل بعد إلى المطلوب منها، فبرغم براعتها إلا أنها لم تكن تجول في أعماق الشخصية، ولم تقدمها إلا من الخارج فحسب، ولم تلون في إيقاعها كثيرا..
والملاحظة الآخرى والأخيرة لدي هي المتعلقة باستخدام المؤثرات الموسيقية: هل أفادت العرض؟ اظن بانها لم تفده، بل كانت مزعجة رغم جماليتها..
في النهاية أعتقد جازما بأن الجسر سيكون واحدا من العروض التي ستحصد نصيبها من الجوائز مساء اليوم، وهذا ما آمله على...

تعليقات

المشاركات الشائعة