عندما لا تشرق الشمس

ربما العنوان الذي أضعه هنا أكثر قربا للمسرحية من العنوان الذي هي عليه "ذات صباح معتم".. إني أتحدث عن عرض فرقة ظفار المسرحية الذي قدم البارحة، وكان واحدا من العروض التي حاولت أن تبدو ذات أفضلية وقوة..
النص المسرحي كتبه الشاعر عبد الرزاق الربيعي وكما ذكرت في الورقة التي قدمتها تعقيبا على العرض، بأن روح الشاعر كانت متوغلة في العمل، بدءا من اللغة التي كتب بها، وليس انتهاء بجعل أحد أبطال النص شاعرا، شاعرا لا يميل له أي أحد..
النص يطرح تساؤلا: ماذا لو أن الشمس لم تشرق في صباح ما؟ ماذا سيحدث حينها؟ والنوع من هذه النصوص يميل إلى طرح كل الاحتمالات والمواقف الممكنة، أي أنه نص ينبني على الموقف الذي هو بطل العرض، فيما الشخوص هي الدعامة لهذا الحدث، فلا مكان ولا زمان مهمان في العرض..
بالطبع لم أذكر بأن النص يتقاطع كثيرا مع نص كتبته منذ زمن هو نص الزلزال وقدم على منصة مسرح الشباب قبل أعوام بإخراج من المخرج عبد الغفور أحمد، إذ تتقاطع بعض اللوحات التي يكتبها عبد الرزاق مع لوحات عرضت وقتها في مسرحية الزلزال، وهذا أمر طبيعي إذ كما ذكرت: النص هو نص موقف..
ولكن وبرغم جمالية الفكرة وقوة السؤال، إلا أن الكثيرين سيقولون: كيف سيعالج المؤلف تلك الأسئلة؟ بمعنى كيف سيطرح الحكاية؟ وهنا أود القول بأن عبد الرزاق الشاعر كان يتعامل بنوع من عدم الاكتراث ربما، وكأنه يتسلى مع كتابة النص المسرحي، وهذا أمر طبيعي لمن كان يؤمن بدور الشعر في أعماقه رافضا الأدوار الكبرى التي تقوم بها الفنون الأخرى
وقد سألته من قبل: لماذا لا تهتم بالكتابة المسرحية؟ فأجاب بما يعني أنه لم يجد اهتماما، وهذا طبيعي بالنسبة للنص المسرحي، فظروفه تختلف عن الرواية والقصة القصيرة إذ يعتمد على عملية طويلة من الإنتاج كي يظهر: ممثل ومخرج وديكور ومؤثرات "سينوجرافيا" وخلافها..
ولذلك بدا النص مهتزا نوعا ما، مما حدا ببدر الحمداني الكاتب والمسرحي المتميز إلى القول في التعقيب على العرض بأن النص "سطحي".. لكن ما يهم الآن هو العرض ذاته، فالمخرج بإمكانه أن يخلق من لا شيء عملا إبداعيا مميزا، وطالب كحيلان مخرج فذ حتى لو صب الكثيرون ملاحظات في الصميم، والأكثر أهمية في هذا الجانب أنه مخرج ينصت لك، ويراجع ذاته ويصحح من أوضاعه..
كانت وما زالت لدي كثير من الملاحظات على العرض إخراجيا، ولكنني قبل ذلك لابد أن أقول بأن طالب كحيلان مخرج فذ ونجيب، فهو استطاع أن يقدم عملا جيدا برغم هناته معتمدا على فريق عمل لم يقدم في المهرجانين الماضيين ما قد يثير الاهتمام، ولكنه صحح أداء هذه الفرقة، وهم أيضا ـ أي الفرقة ـ يحسب لهم أنهم يريدون التعلم والاستفادة وينصتون لأي ملاحظة قد تنمي لديهم القدرة المسرحية، وكل ذلك بقلب صاف ووجه باسم، فلهم كل التحية ولمحمد المهندس كل الشكر على تلك الروح الجميلة..
وعودة إلى الإخراج، فإني سأقول بأن طالب كان في المجمل مخرجا جيدا، ولكنه لو أتم عرضه كما شاهدته في البروفة لكن قدم شيئا أكثر جاذبية، فالموسيقى عوض أن تساهم في العرض كانت عبئا عليه في ظل وجود عازف موسيقي "ساكسفون" يقدم مقطوعات جميلة على المنصة لم يستفد منه كثيرا وكان كقطع الديكور بلا فائدة كبيرة.. كان يمكن أن يكون ذلك العازف واحدا من الممثلين وأحد أهم نقاط القوة في العرض لا نقاط الضعف..
الديكور المستخدم لم يكن له فائدة تذكر، بل أيضا شكل عبئا اضافيا، ولو كان استخدم الفضاء المسرحي الحر لكان ذلك أمر يحسب له، كما أن بطء الحركة والأداء ضاعف من قوة حضور نقاط الضعف
وأيضا هناك النهاية التي قدمها المخرج كرؤية خاصة للعرض لم تتجانس مطلقا مع النسق الذي بدأت به المسرحية وأتلفت الفكرة التي بدأت بها، وكما ذكر الحمداني في تعقيبه بان كيف لهذا الشعب ان يصنع في ثوان شمسا بديلة وهو لم يستطع ذلك في أيام وظل يبحث عنها عبر العلم والدين والتصوف والشعوذة؟
تلك ـ فكرة صنع الشمس في خاتمة العرض للمؤلف الذي تابع البروفة ولم تعجبه النهاية وقدر بأن الفرقة لن تستطيع تطبيق النهاية النصية فالطائر النوراني صعب التطبيق ـ كانت نهاية تبدو ساذجة، وفي نظري لو أن المخرج جعل العرض ينتهي بالانتظار لكان أفضل بكثير، بل إنه لفتح الخيارات أمام المتلقي، وجعل كل واحد يبتكر نهايته، خاصة أنه منذ البداية عمد إلى إشراك الجمهور في عرضه عبر البخور وعبر العازف، وعبر الإجراءات التي قدمها قبيل البداية من خلال الصالة.
أعود فأقول بأن ما يحمد لكحيلان قدرته على إنتاج عرض قابل للمتابعة حتى الختام وابتكار كل ما في يده من إمكانيات كمشهد الاستهلال والقناديل وإشراك الجماهير وضخ الحيوية في الممثلين وإعادة إنتاج النص وفق ما يناسبه، وهو بحق واحدة من مفاجآت مهرجان المسرح العماني الكثيرة ـ المميزة بكل تأكيد ـ مثلما اكتشفنا مالك المسلماني مخرجا، ورأينا طاقات إبداعية عالية لدى كل من حمود الجابري وميمونة البلوشي.

تعليقات

المشاركات الشائعة