الحياة في ذلك المواء
يوم الأربعاء كان يفترض أن أنقل لكم أحداث العرض المسرحي "أرواق مكشوفة" لفرقة صلالة، هذا العمل الذي ألفه عماد الشنفري وأخرجه، ويفترض من خلاله أنه سينافس لينال جوائز متعددة ـ كالعادة ـ ولكن كانت الحوادث المرورية التي تقض مضجع الجميع في بلادنا كلها من أعلى إلى أسفل قد قرر ليلتها أحدها أن يعرقل المسير إلى مسرح مدرسة مسقط الدولية برغم أنني خرجت منذ السادسة بغيت الذهاب إلى منطقة العذيبة ولكنني علقت في زحام الطريق ولم أصل أصلا للعذيبة قبل السابعة والنصف وهو الموعد المقرر لبدء العرض
وقد بدأ العرض دون أن أستطيع الحضور، وقد أخبرني بعض الرفاق بأن العرض يحاكي طرح مسلسل درايش في انتقاد المؤسسة الرسمية في بعض حلقاته وانتقاد المسؤولين بطريقة ساخرة، وهذه المرة لم يكن عبد الله مرعي واحدا من المشاركين، وربما هذه نقطة ضعف للعمل العمادي، فمرعي كان القوة الجبارة التي تضفي على أي عمل يقدمه عماد لمسة خاصة وساحرة وباستطاعتها أن تجلب الفوز المحقق للعرض..
طبعا هذا لا يتنافى مع كون عماد يمتلك إمكانيات إخراجية جيدة، ولكن كما وصلني بأنه لم يقدم جديدا هذه المرة، وربما كما ذكروا لي بأن ضعف الفكرة التي اعتمد عليها، وبناء النص فإنه قد يكون خارج سباق الفوز في هذا المهرجان
ما أستطيع قوله الآن بأن على عماد أن يخرج من إطار الاعتماد التام على نص يؤلفه وحده، وعليه أن يوسع مداركه كمخرج مميز وينتقل إلى قراءة نصوص تؤكد فرصه السانحة في المهرجانات المقبلة...
***
حسنا..
سأتحدث عن العرض الذي رأيته، والذي أعجبت به من اللحظة التي قرأت فيها النص الجميل لبدر الحمداني: مواء القطة.. كنت تابعت بعض البروفات التي كان مالك المسلماني المخرج يقود من خلالها العمل، وكنت أقول كان الله في عون ميمونة وحمود اللذان سيؤديان العمل، وقد أدياه بجدارة واقتدار وخاصة ميمونة البلوشي التي أكدت على أنها ممثلة من الطراز الرفيع جدا.. أما حمود فإني لأول مرة أتابعه بشكل مختلف ومغاير، بشكل أكثر إبداعا مما سبق.. لقد استطاعا من خلال هذا العرض ان يؤكدا على أن هناك مواهب مسرحية مميزة جدا في بلادنا..
العرض الذي لا ينقطع منذ أن يبدأ وإلى أن ينتهي مفتوح الدلالات النصية، إذ يمكن لمتابع أن يقول بأنه يعالج أزمة زوجين، وبإمكان متابع آخر بأنه يعالج أزمة سياسية عربية، وأنه أيضا يمكن أن يشرح أزمة مجتمع بأكمله، وأزمة أمة، وووو ولا ينتهي فتح الدلالات على مستوى من المستويات..
لقد قلت لبدر الحمداني بأن هذا النص هو أكثر نصوصه براعة حتى الآن، وإن كان نصه السابق بذور عباد الشمس متقاطعا معه، لكنني سأقول بأن ذلك النص ما هو إلا مسودة لنص أكثر عمقا، هو هذا النص الذي قدمه مالك المسلماني مخرجا..
أما مالك فقد كان مفاجأة أخرى كونه ظهر مخرجا للمرة الأولى بعد عدة تجارب تمثيلية في المسرح والدراما، وقدم عرضين آخرين مؤلفا بارعا أيضا، وبين قوسين: منع عمله العراف من الرقابة قبل أن يبدأ في تنفيذه بعد عمله الأكثر من رائع كمؤلف: دمدم..
أقول مفاجأة لأنني وبرغم قربي الوطيد منه إلا أنني لم أعول كثيرا على أنه يمتلك قدرات إخراجيه في المسرح، ولكنه بدد هذا الشك وقدم عملا متناسقا في بنائه الإخراجي، واستطاع أن يفجر طاقات ميمونة الفنية...
لقد كان المواء هو الأمل في الحياة، القدرة على أن نكون أحرارا نخربش في الدنيا، وقد استطاع الممثلان أن يوصلا هذه الفكرة بكل جمالية للكثيرين..
ما قد آخذه على العرض هو الالتزام الكبير من قبل المخرج بخطة المؤلف، وكأن النص الأدبي كائن مقدس ولا يمكن المساس به إلا في حدود ضيقة، فالعرض بالنسبة لي قد انتهى في اللحظة التي حملت فيها عذراء/ميمونة البلوشي سلة الطعام وجاءت للخروج.. هنا العمل انتهى وما جاء بعده ما هو إلا جزء نستمتع به في النص الأدبي فحسب....
تعليقات
إرسال تعليق