عن المسرح في يوم ليس له!
قبل ما يقارب أربعين عاما كانت عمان بلادا بلا أثر، أي أنها فاقدة لكل شيء في الحياة سوى التاريخ الجميل، تاريخ الحضارة الممتدة حتى أعمق أعماق البشرية
في ذلك الوقت أي مرحلة السبعينات كان يمكن القول بأننا نخطو أول خطواتنا، وكان يمكن القول بأن الحراك البشري الحضاري قد أفاق من سباته الآن وبدأ مع موجة التصويب، أو موجة الارتقاء بفضل الأفكار البناءة التي قادها صاحب الجلالة السلطان قابوس، الذي أراد لعمان أن تكون بلادا كما هو تاريخها: عظيمة وجميلة وملهمة.
وبعد ما يقارب الأربعين عاما يبدو أننا في بعض القطاعات أردنا أن نرجع إلى ما قبل ذلك الزمان، وهنا اتحدث عن مجال المسرح أبي الفنون، عن الثقافة التي من خلالها نستطيع أن نستمر في العطاء الحضاري والبناء دون توقف أو كلل.
أقول هذا الحديث لأننا لم نكن مخلصين تماما لتلك الرؤيا التي كان يراها قائد البلاد قبل ما يربو من أربعين سنة، فالفعل الثقافي يبدو وكأنه تحت الصفر، برغم وجود كوادر ثقافية ملهمة، وبرغم وجود مبدعين في شتى المجالات، وهنا أيضا سأقصر الحديث على فن المسرح..
لقد تحدثت سابقا عن أزمتنا في التعاطي كمؤسسات مع أفعال ثقافية كالمسرح، ويبدو أن المتنورين أو من يفترض بهم أنهم قادة الشعلة الإبداعية ممن ارتقوا دعامة هذا المجال لا يؤمنون تماما بما يقومون به، ولذلك نجد أن بعضهم القليل يحارب بعضهم الكثير بحجة أن النص المسرحي الفلاني لا يتناسب أو لا ينبغي له أن يعرض كونه يتعارض مع سياسات ما تتراءى في ذهنه، لأنه بالمختصر لا يريد الدخول في مشاكل أو إشكاليات مع أحد وهو بذلك يرضي ضميره
تحدثت عن ذلك ونالني من الكلام ومن العتب الكثير، لأن رؤيتي سوداوية، ويبدو أنها ستظل سوداوية ما دام ليس هناك أي فعل أو حراك تجاه تصحيح لهذا الوضع
هذا ما كشفه مهرجان المسرح العماني الثالث الذي تأخر موعده، والذي حتى اللحظة الأخيرة كان يعاني، لأن بعضنا لم يكن مؤمنا بما يقوم به، ولأن المصاريف كثيرة ومن المهم الترشيد في الإنفاق في ظل وجود أزمة عالمية، ويبدو أن سياسة الترشيد تطبق قبل كل شيء على قطاعات الثقافة والفنون.
والبارحة انكشف القناع، إذ في اللحظة التي كان ينبغي عرض مسرحية الرزحة لفرقة مسقط الحر ضمن مسابقة المهرجان، وجدنا طاقم العمل جميعا يعتلون المنصة معتذرين عن عدم تقديم العرض المشارك لأسباب وجيهة جدا: تسليم متأخر للخشبة، لا اكتمال تام للأجهزة البصرية والإضاءة، ضعف القدرة الكهربائية بالمسرح المسكين المخصصة لطلاب مدرسة مسقط الدولية الذي كان الحل المثالي لأزمة الخشبة غير الموجودة في البلاد برمتها وليس في مسقط فحسب مع أنه ينبغي أن تكون العاصمة الحضارية مسقط مزدانة بالمسارح المهيأة تماما..
كيف لفرقة مسرحية أن تتسلم المسرح قبل موعد العرض بساعات معددوة قد لا تتعدى الثلاث أو الأربع ساعات، ومن ثم يطلب منها أن تكون جاهزة تماما للعرض وللمسابقة؟ أليس هذا بظلم لها؟ وللجمهور الحاضر المتعطش لمتابعة عروض مسرحية؟
لقد اعتذروا وكان خيرا أن اعتذروا برغم أننا حزنا لأننا لم نشاهد العرض، ولكنه الواقع الذي يفرض تلك القرارات وتلك الأفعال.. وإذا لم تكونوا على أتم الاستعداد فعليكم بالاعتذار والصمت فمهما لامكم المسرحيون فإننا نعرف جميعا أن لا شيء سيتغير، وبأن الوضع لا يتحرك إلى الأمام بشكل مبشر..
خرج جاسم البطاشي مخرج العرض وقال لجميع الحضور: نحن آسفون إذ لن نعرض! وكانت شجاعة يستحق الثناء عليها هو وفريقه المميز، فليس المهم المسابقة بمقدار تقديم عرض يليق بالفرقة وبالجمهور الذي قدم للعرض، الذي بعضه جاء من مناطق بعيدة لمجرد أنه يحب المسرح كما حدث مع بعض الأصدقاء القادمين من نزوى ومن الباطنة وبعضهم من صلالة.
والآن لن يلومكم أحد إن انسحبتم فالجميع الآن بات يعلم بأن ثمة خلل واضح في إدارة الأمور المتعلقة بالثقافة وبالتحديد مجال المسرح والدراما، ووقفتكم أيها المبدعون كافية لنا جميعا كي نرفع لكم الكميم والمصار والقبعات ونصفق طويلا شاكرين لكم جرأتم بالانسحاب في اللحظة التي أدركتم أنكم ستكونون في أسوأ الحال لو أنصتم للصوت القائل بضرورة العرض حتى وإن لم تكونوا جاهزين..
شكرا جزيلا لكم وشكرا للمنظمين أيضا فلولاهم لما اكتشفنا أننا نعود أربعين سنة إلى الوراء!
تعليقات
إرسال تعليق