هذا ما وصلنا إليه!

هل رأيتم أيها العمانيون ما وصلنا إليه؟

هل استكفيتم أم أنكم تريدون المزيد؟ تريدون أن تثبوا أنكم لم تكونوا مطلقا على قلب رجل واحد.. وبأنه من السهل جدا أن تفتتوا كأمة كان الانقسام أحد مميزاتها الأساسية عبر التاريخ الطويل، وكما يقال: عدوكم من أنفسكم ليس من الخارج كما نتوهم، لأننا أمة هشة قابلة للكسر وعرضة للريح حتى وإن بدونا شعبا متحدا ضد عاصفة الطبيعة وأعاصيرها كما حدث قبل أعوام قلائل.

ما حدث في صحار كان متوقعا حدوثه، وكان منتظرا من الأجهزة الأمنية، لأن أحدا لم يصغ لكلام المنطق والواقع، وظل يطالب ويطالب معتصما بطريقة "سلمية" كما يقول، مضربا عن الحياة، عن الفعل، عن المساهمة في الانتقال إلى مرحلة جديدة من تاريخ عمان

الغالب من تفاجأ بالمحصلة السريعة لاستجابة السلطان لطلبات التغيير، ولم يتوقع أن يحدث هذا "التغيير" بهذه السرعة الكبيرة، ولربما من دهشته؛ أصابته الريبة، فقال لا أتحرك حتى تتحقق كل المطالب! وماذا بقي من المطالب أصلا؟ ماذا كنا ننتظر كشعب لا يفقه في الدساتير أو المفاهيم الحديثة للدولة المدنية غير عيش كريم يتمثل في راتب يزيد، وعبء معيشي معقول؟ هل تفهم الناس معنى التغيير الحكومي بالشكل الذي حدث وبتلك السرعة؟ أعتقد ـ والاعتقاد نصف إيمان وليس يقينا تاما ـ أن الناس كانت مطالبها قليلة جدا، وقد تحقق معظمها، وكما أسلفت من قبل فإن ما لم يتحقق لا يعني أنه غائب أو ألغي من المذكرة الحكومية، أو أن جلالة السلطان لم يصله المطلب أو لا يفكر فيه، أو أن المسئولين يتحايلون على عدم تحقيقه.. لعلنا في الغالب نؤمن أن تلك المطالب ستتحقق، حتى وإن بدت في بعضها ساذجة أو لا منطقية كتعديل قانون الزواج من أجنبيات أو البنوك الإسلامية أو إسقاط الديون

ومع أني كنت أنتظر تحرك الأجهزة الأمنية لاحتواء الأمر، لكنني صدقا كنت أتمنى أن تكون أجهزتنا الأمنية ذات كياسة وذات أفق أكثر انفتاحا وقدرة على التعامل الحضاري في هكذا ظرف

لكن أجهزتنا الأمنية، وعلى رأسها الإدعاء العام، اقتقر لتلك الكياسة، بل أثبت أنه لا يستفيد من الدروس التاريخية، ويصر على أنه لا يتعلم الأساليب الحضارية في التعامل مع البشر

ماذا يعني أن تقوم الأجهزة المعنية باعتقال الناس في منتصف الليل وهكذا عنوة وكأنهم مجرمون متحققون، بيوتاتهم عبارة عن مخازن أسلحة تهدد البلاد؟ ماذا يعني ذلك؟ ألا يعني افتقارا للرؤية السليمة؟ للعقلية الحضارية التي نناشد بها؟

في المقابل، ماذا يعني التجاهل الذي يبديه جهاز الإدعاء العام للشكوى التي تقدم بها أكثر من سبعة آلاف مواطن في حق عدد من المسئولين السابقين؟ لماذا تصبح شكوى عدد قليل من المواطنين ضد ما يحدث في صحار أو عبري محركا للتحرك المباغت والعنيف ضد هؤلاء الذين يتحركون من واقع يعيشونه، واقع الجهل، واقع الظلم، واقع عدم وجود عدالة حقيقية في البلاد؟

الصورتان المتقابلتان الآن تثبتان أننا ما زلنا في حاجة للتعديل، ما زلنا لم نتقدم خطوة كبيرة في مسألة الإصلام التي يناشد بها الجميع. ويبدو أن الأجهزة الأمنية أكثر الأماكن التي تحتاج إلى إصلاح، إلى وجود شفافية في العمل، ومنطقية

ما حدث في صحار لم يحقق السلم فعليا، وإنما أذكى النار الهامدة تحت الرماد، وربما تشتعل مجددا في أي وقت، وما "نام" بالقوة فإنه لا محالة سيصحو وبشكل عنيف، إذ لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الاتجاه.

مع ذلك أقول بأن ما حدث كان متوقعا، بل لربما كان مرتبا من قبل، لأننا كعمانيين لم نستوعب أن نكون في حراك ونقاش بعد كتمان طال سنوات، فأخذنا نعبر بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، فظهر جليا أننا لسنا على قلب واحد، وهذا ما أثبتته ساحات الاعتصام، هذا ما أثبته الأخوة الذين يرون في الفن والموسيقى والغناء فسادا وإهدارا للمال العام، هذا أيضا ما أثبته المثقفون الذين كانوا دائما خارج السرب، وعندما أرادوا الالتحام بالبشر خاطبوهم بما لا يفهمون، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التبسيط، بل كانوا يحاولون فوق هذا الاستعلاء أن يمسوا قواعد هؤلاء البسطاء عبر "المس" بذوات "أتقيائهم"

ويبدو أن لا أحد يتعلم من الحوادث، وجميعنا يقع في المطب، يقع في المحظور، ويسقط على وجهه! هكذا هو حال الوطن الآن، وهكذا هو حالنا كمجتمع نادى بالإصلاح، ثم رأى أن الإصلاح جزء منه تعطيل مصالح البلاد، هكذا حالنا عندما طالبنا بالحرية والإعلام البعيد عن التزييف والكذب والتشويه فكنا نرفض الآخر، نهمشه ونستعد للانقضاض عليه لأنه بالمختصر قال كلمة يرى فيها أنه يعبر عن رأي مغاير، فكان لابد من لجمه

هذا هو حال من أرادوا الاعتداء على من انتقد سماحة الشيخ المفتي، الذي هو أولا واخيرا بشر، وكأنهم حراس شخصيون لا أعتقد أن سماحة الشيخ قد دعاهم لذلك، لأنه رجل أعلى من هذه الترهات، رجل لا يعيبه أن يمشي على أرض موحلة ساعة الأمطار الكثيفة.. إلا أنها الفكرة التي نعتقدها جميعا، فكرة المساس بالمقدسات الخاصة بنا، المقدسات التي وضعناها بأنفسنا ولم يكلفنا أحد أن نضعها، وهذا هو ما جرنا ـ كواحد من الأسباب ـ إلى الاحتجاج، إلى الانفجار.

ولا أحد منا جميعا بشكل تقريبي، توقف لحظة ليتفكر فيما حدث، في نبرة التغيير العالية التي أجراها السلطان، هذا الرجل الذي أؤكد أنه نعمة لعمان، نعمة ربما لا نقدرها نحن أهل عمان، فحق لآخرين أن يطلبوا منا: أعطونا هذا الرجل يحكمنا، وخذوا كل ما تريدون من حريات وديمقراطيات وكلام أهبل لا يغني ولا يسمن من جوع

وصدقوني إن كنا نريد لعمان أن تخرج من حالة السبات التي أدخلناها فيها بأيدينا، فإن أول ما نفعله هو أن نوحد صفنا، أن نفتح قلوبنا لبعضنا، أن نكون يدا واحدة وقلب رجل واحد، أن نبدأ بالحوار والنقاش ونستمر فيه، أن نصفي داخلنا من الشوائب التي تعشعش هناك.. والأهم أن نكون صادقين مع أنفسنا عندما نقول: يدا بيد مع السلطان.. لتكن الأحداث الماضية درسا نستفيد منه لغدنا، لأبنائنا، لأحفادنا، لعماننا التي لا تنهض إلا بأيدينا نحن.

تعليقات

  1. شكرا أستاذ هلال، تحياتي
    ليس دفاعا عن السلطات الأمنية، ولكن محاولتي لفهم ما حدث قادتني للإعتقاد بأن السلطات الأمنية أقدمت على الإعتقالات بتلك الصورة ربما.. ربما ل:

    1) في مثل ذاك الوقت، يكون الأشخاص المستهدفون معزولين عن أي دعم من قبل "مريديهم" وأنصارهم!
    2) احتمالية وجودهم في بيوتهم أكبر بكثير من أي وقت آخر.
    3) ضمان أكبر قدر من سرية تحركات العناصر الأمنية، والمتعاونين معهم، لأن عملية أمنية كهذه تتطلب أيضا من يدل على بيت فلان وفلان، وهذا جزء من العمل، طبيعي!

    يا سيدي، ثم أن أسلوب المداهمات الأمنية يتم في كل دول العالم، في مثل هكذا ظروف..

    وربما لدى السلطات الأمنية ملعومات لا تتوفر للعامة، عن نوايا "قادة" الإعتصام!

    شخصيا، وبلغة لا تقبل التأويل ولا الاحتمالات أقول/ برااافو لشباب الأمن... الله يحفظكم قادة وأفراد.

    ردحذف
  2. هلال ..
    أتفقُ تماماً مع أحمد الغافريّ ..
    طريقَة المداهمة هذهِ هي طريقة عالميّة لا تختلف فيها دولَة دستوريّة عن غيرها .. حتّى في بلاد الحريّة المزعومة ماما أمريكَا التي اعتصم بعضهم أمام سفارتها .. هذه الدولة التي لو قطع أحدهم "شويرع" صغير في أراضيها أمام العامة لعاقبت من قطعه وأخذته "وراء الشمس" ..
    وإن كنتَ تظنّ أن طريقة مداهمَة كهذهِ آذت الآمنين فسأقول لك أنّه ليس أكثر إيذاءً من تحريض الناس وزعزعَة أمن البلاد عبر إنشاء دول داخل دول "إتاوات وقطع دوارات داخل بلاد القانون" .. وإن لم يكن جميع المعتقلين ممن تهجّموا على المواطنين في دوائر العمل فإنّ بقيّتهم المحرضون وأنت أدرى ما جريمة المحرّض في عرف القانون الدوليّ .. هؤلاء متهمُون "بإرهاب دولة" ولن تجد يا عزيزي هلال بلداً ولو طفتَ العالم بأسره تصبر على قومٍ اقتحموا دواراً وأقاموا عليهِ قوانينهم الخاصّة لأكثر من شهر!! أين تجد هذا؟
    يا عزيزي هلال .. نعم من حقنا أن ندين ونشجب غفوة الادعاء العام حول موضوع بلاغ السبعَة آلاف شخص .. ولكنّه أعطى هؤلاء مهلة .. ومهلة طويلة بالمقياس الزمني لمقدار التسلط الذي مارسوه على أبناء شعبهم عبر منعهم من استخدام ملك وطني هو الدوّار .. الدوّار للجميع تماماً كما الوطن للجميع ..
    لقد مارست الحكومة سنّة الرسول فأنكرت أفعالهم بالقلب.. ثم باللسان عبرَ البيانات المتعددة التي أطلقت عبر مجلس الوزراء، مجلس الشورى ، مكتب الافتاء ، بيان الادعاء العام .. ثم أنكرته باليد وهو ما حدث مؤخراً من اعتقالات ..

    كان علينا يا هلال أن نتعلم من هذهِ الأحداث درساً مهما .. أن نكون مسؤولين قانونياً عن مواقفنا .. إذن فلنتحمل قانونيّة ما ننطقه وما نفعلهُ .. تماماً كمطالبتنا بأن ينطبق القانون على الفاسدين والحرامية الكبار .. فأولى بنا أن نطبق القانون على أنفسنا ..

    تحياتي لك .. مقال معتدل لولا موضوع طريقة اعتقال المعتقلين

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة