كي لا يضيع الجهد هباء
لم يتسن لي أن أمر على ما أسماه الشباب بـ" ساحة الشعب" مساء السبت الماضي، لظروف صحية، إلا أنني مررت البارحة والتقيت بداية بالشاعرة والمدونة عائشة السيفي التي أبدت انزعاجها من لغة الشتم الحاضرة بقوة، ومن التنظيم الذي بات ينحى منحى ديني مؤدلج.. شاركتها في الاستياء، فليس أشد وطأة من أن يصبح هناك تيار واحد يسيطر على مجريات الحدث، والكلام بالمناسبة ليس مقتصرا على تيار الأخوة المتدينين، بل أيضا يمتد إلى من يطلق عليهم "الليبراليين"
كلا الطرفين يحاول أن يستميل الشباب إليه، وكلاهما يقفز على الإشكاليات التي دفعت بهؤلاء الشباب إلى كسر حاجز الخوف في داخلهم والإعلان عن غضبهم تجاه الحكومة، الوزراء بالتحديد، الذين حولوا عمان إلى دولة تكاد تكون إقطاعية
ولأنهم لا يملكون الوعي الكافي فإنهم لا يفهمون ماذا يعني دستور تعاقدي؟ هذا على سبيل المثال، ولذلك تبدو مطالبهم أبسط بكثير من الأطروحات التي تم طرحها حول ضرورة إيجاد دستور تعاقدي.
المشكلة الأكبر كانت بالنسبة لي هي ذلك "العنف اللغوي" كما أسماه الصديق أحمد المعيني في مداخلته على الكلام الذي طرحته في الفيس بوك، حيث كانت الشتائم تتوالى على المسئولين والوزراء بالتحديد، وكأنما هؤلاء ليسوا عمانيين، ولم يقدموا لعمان.. وإن خرجوا اليوم من الحكومة لا يعني ذلك أنهم كانوا فاسدين، ولا يعني أنهم من زمرة اللصوص أو الذين خانوا هذه البلاد.. في نظري أنهم خدموا البلاد وكانوا موالين تماما للسلطان فلماذا اليوم نقذفهم بالسباب؟ ما من أحد لم يخطئ، ولم يقترف فسادا ولو بشكل مبسط وضئيل، ومع أني مع التغيير، ومع إيجاد أسماء جديدة في الحكومة إلا أنني ضد أن يكال السباب لأحدهم. على الأقل لنحترم اجتهاداتهم، وما قدموه من إيجابيات لهذه الأرض، وإن أخطأوا قصدا فجزاؤهم عند بارئهم خاصة أننا لا نملك أدلة مادية ملموسة يمكن أن تدين أي احد منهم.
لنكف ألسنتنا عن هؤلاء الناس، فصدقا نحن لسنا أفضل من أي واحد منهم لو مارسنا هذا السباب المتواصل وكيل التهم، بل ربما كنا أسوأ مفتقدين في ذلك ما ننادي به من مثل عليا واخلاق رفيعة، ومن أراد أن يحارب الفساد فليبدأ بنفسه قبل الآخرين
فيما يتعلق بالتيارين: الإسلامي والليبرالي، فأعتقد أن ما قاله معاوية الرواحي كافٍ ولا يحتاج إلى أن نزايد عليه، مع أنني أعرف أن معاوية انطلق من أرقه المتواصل في كتابة ما كتبه، وأدرك ذلك الفيروس الضخم الذي يعيش في داخله المسمى بالمثالية الزائدة عن الحد، الفيروس الذي يوصله إلى حد التطرف في إطلاق الكلام والأحكام والاعترافات.
شخصيا لست مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، أنا مع عمان ككثيرين غيري من هؤلاء الشباب الذين شبوا عن طوق الخوف وأعلنوا مطالبهم.. إلا أني مع إيجاد دستور مكتوب من قبل أفراد الشعب، كما أشار الدكتور عبد الله الحراصي في إحدى كتاباته، مع المطالب التي كان يرفعها حسين العبري على الفيس بوك والتي أشار إليها في بعض كتاباته على مدونته، التي أرى أنها تضمن في كل الأحوال مستقبلا مضمونا للبلاد، فالشخوص زائلة، ولا يبقى سوى الوطن.
مع تعليم الشعب، وتثقيفه وتمكينه من حقوقه المشروعة كي يستطيع القيام بواجباته في بناء البلاد. مع محاربة الفساد أيا كان شكله هذا الفساد. مع فصل السلطات التي تعين على تحقيق العدالة في توزيع الثروة، التي ستمكن من تسريع الخطى نحو الغد دون الخوف من مستقبل مجهول لا نعرف ماذا يحدث فيه. مع النقد المتواصل، النقد الذاتي والجمعي كي نستطيع أن نصل إلى مرحلة مقاربة من الكمالية في الاطروحات والمشاريع، لا أن نقوم بالبناء ثم نكتشف الثغرات ومن بعدها نقيم مشاريع مجاورة لسد الثغرات، ونجد في نهاية المطاف هجينا للمشروع النهضوي الذي نقوم به.
وإن كان من أمر يساند هذا التوجه، فهو إصلاح الإعلام العماني، وتخليصه من نظرية "نشرة العلاقات العامة" كما أسميها، فحتى الإعلام التنموي كمفهوم قد فقد منذ زمن، وحل بديلا عنه إعلام منافق لا يقدم شيئا سوى الضحالة.
وكما سبق أن قلت: لو أننا كنا نمتلك إعلاما جيدا، إعلاما شفافا قادرا على الطرح المتوازن العقلاني الناقد، هل كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟
أعتقد أننا كنا سرعنا في إيجاد سلطات قضائية نزيهة مستقلة بعيدة عن التبعية لأحدهم، كنا سرعنا في اكتشاف الأخطاء ـ التي ربما لم تكن مقصودة مطلقا ـ وعالجناها في الوقت المناسب دون أن تتراكم الأخطاء والعلل إلى الحد الذي اوصلنا إلى حد الانفجار.
الانفجار لم يحصل بعد، لأن ثورة الشباب من أعماقهم لم تحبط بعد، ولم تزهق، ولا نريد لها سوى النجاح كي نبني وطنا أخضر جميلا ناصعا
لكن الخوف من ضياع هذه الثورة في المهاترات الجانبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتفاف المتنفعين، دائما، عليها وركوب الموجة القادمة من تاريخ عمان الجميل...
لا أحد معصوم عن الخطأ وصدقت على الانسان أن يبدأ مع نفسه :)
ردحذفشكرا جزيلا هلال.. متابع باحترام كبير، خطاب متزن وهذا ما نحن بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى..
ردحذف