تعليقا على أحداث صحار

حتى رؤيتي لمبنى مركز اللولو التجاري في صحار والدخان يخرج منه وسيارة الإطفاء تحاول إخماد النيران في الداخل، حتى هذه اللحظة كنت أقف موقفا يكاد يكون حادا تجاه الحكومة وأقول بأن الحكومة كانت منذ زمن تستهين بمطالب الناس ولا تأخذها على مأخذ جاد، حتى وقع ما وقع من اشتباك مع عناصر الشرطة والأمن والذي أدى إلى حدوث وفيات

لكن بعد أن رأيت مشهد المركز المحترق، ومشهدا آخر بث عبر "اليوتيوب" يقوم فيها مجموعة من المخربين بإسقاط عمود إنارة في دوار أشير إلى أنه يقع في ولاية شناص، أصبحت أقول بأن الغضب مهما كان مبررا لأفعال صاخبة، إلا أنه ليس كافيا لإحداث مثل هذا التخريب المتقصد والمتعمد بشكل واضح.

سلطان البلاد الرجل الحكيم الذي عرفناه طوال أربعين عاما يحمل تلك الحكمة كأجنحة ملائكة كان وجه الحكومة إلى الإصلاح، إلى توفير مساحات صلاحية أكبر في مجلس الشورى، واستقلالية الإدعاء العام وزيادة الرقابة الإدارية للدولة وتوفير خمسين ألف وظيفة للشباب العماني الذين ما زالوا دون عمل حتى الآن وغيرها من التوجيهات التي تصب في مصلحة هؤلاء الشباب، والذي تعد أكبر استجابة للمسيرات والمظاهرات التي تحمل مطالب هؤلاء الشباب.

إذن أين الخلل؟ تأتي الصحف لتقول نقلا عن المسئولين الكبار في الحكومة بأن حق التعبير مكفول، وحق التظاهر مكفول، لكن هل هناك حق التخريب تكفله الحكومة؟ هل نعتقد بأن حرق مجمع تجاري أو مركز شرطة أو منزل وال أو إسقاط عمود إنارة يؤدي إلى الإضرار بالحكومة وحدها؟ أليست هذه الحكومة هي أيضا أفراد من الشعب؟ أليس عمود الإنارة ينير الدرب الذي نمشي عليه نحن أبناء البلد؟ أليس المركز التجاري يحوي عمالا وموظفين هم عمانيون غالبا فأين يذهبون بعد أن تم تدمير المكان الذي يعملون فيه؟

أعتقد أن المطالب لا تتأتى بهكذا أسلوب، وإن كانت الحكومة مخطئة فإن خطأها لا يبرر أن نعمد إلى التخريب، فالخطأ ـ في حال أنه كان خطأ وليس اجتهادات تصيب وتخطئ ـ لا يبرر مطلقا وبأي شكل من الأشكال تدمير ما تم بناؤه للناس عبر سنوات

وللأسف الشديد أكاد أشم روائح تنطلق من مناطق بعيدة فيما حدث في صحار، فمقولة "نحرقها عمان كلها" التي نقلها الصديق معاوية الرواحي في تدوينة كتبها على مدونته عشية الأمس واصفا ما رآه في صحار تدل على أن من قال هذه الجملة يحمل أعمق من مجرد مطالب يوجهها إلى الحكومة وإلى صاحب الجلالة، على افتراض أن له فعليا مطالب يقدمها.

وإن افترضت أن جهلا جاء من وراء مثل تلك الجملة، فهل يخول هذا الجهل وهذا الضيق الثقافي أن تحدث كل هذه الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة؟ كما سبق وأن قلت: ما حدث هو أكبر من مجرد جهل بقيمة ما دمر، وبأن الجهال سيحرقون سيارة شرطة أو يدمرون مركز شرطة لا أن يكون هدفهم الواضح والبين هو التخريب والتدمير وكأنهم ليسوا أبناء هذا الوطن.. فأبناء الوطن، أبناء عمان، لا يرضون أبدا الخراب لبلادهم.

هذه النقطة بالذات هي التي قادت كثيرا من شباب صحار والمدن المجاورة إلى أن ينتبهوا جيدا الآن إلى ضرورة حماية الممتلكات العامة، وإصرارهم على اكتشاف المخربين والقبض عليهم وتسليمهم إلى الجهات الأمنية كي ينالوا عقابهم جراء التخريب والتدمير

إن هذا الوطن، هذه الأرض، عماننا الأبية، ليست مزرعة لأحد معين يمكن لنا أن نحرقها في الوقت الذي نعلن فيه غضبنا على من نعتقد أنهم أصحابها، إنما هي عمان، عمان التي في القلب، عمان التي هي نحن فلا نجعلها تضيع من أيدينا لأننا نظن أننا نحقق بذلك حقوقنا ونحصل على مطالبنا.. حفظ الله عمان، حفظها آمنة مطمئنة.

تعليقات

  1. أوفقك القول تماما هلال .. لا شيء يبرر التخريب , ولا شيء يعدل الوطن

    ردحذف
  2. عندما نرى السلام و السليمية في المظاهرات ، نعلم بأن أبنائها هم عمانيين ، و لكن عندما تتحول المظاهرة السليمية إلى غير ذلك ، فهنا يجب أن نسأل أنفسنا : هل تغيرت طبيعة العماني ، أم أن هناك من يتطفل عليها ؟!!!

    شكرا لك أستاذي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة