هذه مجرد إشاعة !
عندما أرسلت هدى هذه القالة تسألني رأيي فيها، قلت لها بأنها مقالة جميلة ولكنها لن تنشر! وفي اليوم التالي لم توجد هذه المقالة في الصحيفة، فالإعلام لن يتغير بين يوم وليلة وهو متكلس ويعيش برؤوس مغلقة، لا تنظر إلى البعيد ولا تقرأ المشهد جيدا..
هذه مجرد إشاعة
هدى الجهوري
يقال إن المجتمع العماني من المجتمعات المتعودة على الإشاعات، وأنها ما أن تسمع خبرا حتى تشيعه بين الجميع، ومن ثم تبحث عن مصادر إلكترونية لكي تتأكد من صحة الكلام، أو لكي تضيف عليه بعض البهارات، هكذا تُركل الحقيقة في ملعب من الأسماء المستعارة، فلا نعود قادرين على تمييز صدقها من كذبها.
ولكن قبل أن نقول عن مجتمعنا أنه مجتمع معتاد على الإشاعات، علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا مجتمعنا كذلك؟ والإجابة كما يبدو لي بسيطة للغاية.. لأن مجتمعنا تعود على أن لا يجد القصة الحقيقية في الصحف، وتعود على أن لا يسمع عنها في نشرات الأخبار، أو حتى في الإذاعة المحلية. فأين له أن يبحث عنها؟ بالتأكيد سيصبح للشائعات طعم آخر لحظتها.
أليس مدهشا وغريبا وعجيبا أيضا أنّ الأحداث ما إن بدأت في صحار حتى تراكض جميعنا ليصطف أمام قناة الجزيزة والعربية والبي بي سي، وغيرها من القنوات لأن الجميع متأكد أن الإعلام العماني لن يقول شيئا فيما يدور.
لماذا صدّق الناس الإشاعة التي قالت أنّ عدد القتلى ستة، ولم يصدقوا الحقيقة؟، طبعا لأن الخبر الأول الخارجي كان هو الخبر الأسبق، ولم نكن ننتظر من إعلامنا إلا أن يكون في مكان النفي، "عمان تنفي ارتفاع عدد ضحايا الاحتجاجات وتؤكد مقتل شخص واحد"!.
اليوم التالي دهشنا جميعا صغارا وكبارا.. الإذاعة مفتوحة للحوار فيما يدور في الأوضاع الأخيرة في صحار، وكذلك هو التلفاز ومقالات صحفية تقول رأيها بصدق وقوة، وأنا متأكدة أن يومها لم يرغب أي مواطن عماني بمتابعة ما يقوله الإعلام الخارجي، بالتأكيد لم يكن بحاجة إلى ذلك ولديه برامج حية ومفتوحة بمنتهى الشفافية، وصدقا هدأت الأوضاع وقتها، ولكن ما لبث الإعلام أن تغير وعاد إلى سابق عهده، وما لبثنا أن سمعنا عن خروج المسيرات في حب السلطان والولاء له، وكان هذا الأمر في منتهى الخطورة، فمن منّا شكك في حب السلطان، وكل لوحات المعتصمين لا تطاله إلا بورد الحب.. لا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أنسى يدي جدتي المرفوعتين إلى السماء بعد إنهائها لكل وجبة الطعام لتقول "الله يخلي السلطان"، فنحن لسنا بحاجة إلى مسيرات لنقول إننا نحب السلطان، وليس لأننا نحتج، ونتعلم أن يكون لنا صوت يعني ذلك أننا ضد الحكومة، بل إن الشعب بات مع الحكومة يأخذ بيدها نحو التغيير..
جاءت مسيرات الولاء في وقت الاحتقان، ولم يعط ذلك للناس في داخل عُمان وفي خارجها، أكثر من فكرة واحدة: الشعب منقسم على نفسه، ويقع بين مؤيد ومعارض، بين من يقف مع الحكومة وبين من يقف ضدها، ولم تكن هذه هي الحقيقة، وهنا بدأت لعبة الإعلام تثير قلقا جديدا لأنها بكل تغطيتها الإعلامية صفت إلى صف المسيرات وأهملت الصوت الآخر فثار وغضب مجددا..
وقف أحدهم أمام مجلس الشورى الذي بات المعتصمون يسمونه ساحة الشعب، وقال بصوت عال: "لسنا بحاجة إلى الإعلام، لدينا الآن انترنت وفيس بوك، ونتواصل مع زملائنا من المعتصمين عبر الهاتف"، تصوروا ما معنى أن يتخلى الناس عن حاجتهم إلى الإعلام، تصوروا ما معنى أن لا نستفيد مما وقع فيه إعلام الدول الأخرى التي مكثت شعوبها تتابع ما يدور في بلدانها عبر محطات إعلامية أخرى، بينما محطاتها مستمرة في عرض "الفيديوكليبات"، والأفلام!
وكما قال الدكتور عبدالله الحراصي في مقاله الجميل في جريدة عمان: "التخريب هو محض هامش للحالة الاحتجاجية وليس أساسها"، فلتتوقف هذه الإدانة للمعتصمين الواقفين بسلام، وتنظيم مدهش.. نعم يحضر البعض ممن لا يفهمون المطالب الأساسية ويطالبون بما هو شخصي، كمن يقول أريد أن أتزوج، أو أريد أن تسقطوا ديوني، ولكن لنتريث قليلا في الحكم عليهم، لنعالج مشكلتهم من جذرها، فالدرس السياسي لا يزال في أوله، وثمة من هم بدون الشهادة العامة، فلا يعرفون إلا أن الناس اجتمعت لتقول مطالبها.
نعم الدرس لا يزال في أوله، والعماني يتعلم الآن وبسرعة أن يُعلي صوته، والاحتجاج هو حالة سلمية رائعة لم نشهدها نحن الجيل الشاب طوال حياتنا ومن حقنا أن نعيشها، ونتذوق طعمها، لنكون طرفا مشاركا فيما يدور في البلاد، وليس طرفا مهمشا في حالة تلقٍ دائمة، وإن كنا ضد التخريب فليحاسب كل مخرب الآن من أكبر مسؤول إلى أصغر مسؤول في هذا البلد.
يقول البعض لماذا التغيير، وما أدرانا ربما يأتي فاسد آخر في جهاز من أجهزة الحكومة، وسنقول إن الشعب تعلّم الآن أن لديه موقفا، وأن قراره الجماعي مسموع، وعلى الإعلام أيضا أن يتعلم الدرس جيدا، وأن لا يترك الناس تذهب إلى الإشاعات، فعندما يحدث شيء ما في بلدي أريد أن افتح قتاة عمان لأجد الخبر اليقين، افتح الإذاعة فأسمع الخبر الحقيقي، وفي صباح اليوم التالي اقرأ الجريدة فأجد التفاصيل من دون انحياز لطرف دون آخر
تعليقات
إرسال تعليق