الشباب الشباب: مرحى لهم!

ما يحدث في البلاد العربية حاليا، من تحرك شبابي "سلمي" هو كسر للرؤية القديمة التي كان ينظر من خلالها لهؤلاء الشباب، تلك الرؤية التي حصرتهم في أنهم شباب مترف غائب الوعي لا يدرك أهمية الأشياء من حوله، ويواصل حياته المنغلقة خلف أبواب الشبكة المعلوماتية ومفرداتها، دون قدرة واضحة على المشاركة في الأحداث الحاصلة حوله، الأحداث المجتمعية بكل أشكالها، يظل في غيمة بعيدا عن كل هذه الأمور، وكأنما لا يعنيه الأمر، وكل همه هو أن يعيش في أجواء ينظر إليها البعض على أنها "ملهيات"

إلا أن ما يحدث حاليا يؤكد على عدم مصداقية تلك الرؤية، ويؤكد على أن المفاهيم القديمة ليست حقيقية تماما، إذ لم يعد ـ كمثال بسيط ـ الشباب عرضة للانجراف وراء التيارات المتشددة التي تمثل بؤرا للإرهاب، مما جعل العالم كله يخشى من الإسلام على أساس أن تلك التيارات المتشددة في أغلبها محركة من قبل فكر إسلامي

لقد وعى الشباب الآن أن الإسلام ليس كما أراد الغرب أن يروج له، وفي أحيان كثيرة يمده بالدعم اللوجستي، بل أدرك أن الإسلام هو رسالة سامية ويامر بالتسامح وبالأخلاق الرفيعة

ولعل ذلك يتضح في أن الحراك الشبابي اليوم قائم على مبدأ التسامح، مبدأ السلمية التي تحرك الاعتصامات والتظاهرات، والتي في عمقها تطالب بأجواء تعديلية تضمن مستقبلا أكثر وضوحا وإشراقا

إن ما يفعله هؤلاء الشباب ينبغي أن يقابل بفرح، لأنه يفجر الطاقات الحقيقية في دواخل هؤلاء الشباب، ويعطيهم القابلية لتنفيذ البناء، بناء الأوطان من أعماقها، بشكل جميل وخلاق

وعليه ينبغي الآن مقابلة هذه الموجة الشبابية بمزيد من الانفتاح، بمزيد من التعاطي السلس، كي لا ينكسر هؤلاء الشباب، فيصبحوا فعليا منهزمين من أعماقهم في لحظة تالية، ويصبح بعدها من الصعب إيجاد مخرج لهم تجاه الحياة، تصبح بعدها القدرة على استغلال طاقاتهم ضربا من العبث، لأنهم خالون فعليا من أي قدرات، وغارقون في الانهزام والضياع

بل إن الخطورة في حال أنهم قوبلوا بالسلبية أن لا يجدوا سوى المنابت السيئة تحركهم وتحتويهم وهنا بكل تأكيد مكمن الخطر

مكمن الخطر لأن الشباب هم عماد أي مجتمع، هم النواة التي تحركه نحو صلاحه أو نحو فساده، ومن هذا المنطلق ينبغي الاهتمام بهؤلاء وإيجاد تواصل حقيقي معهم وحوار دائم كي لا نفقد كمجتمعات القدرة على الحراك فيما بعد

وإن كنا نحن المجتمعات العربية والإسلامية نستمد المثل العليا من شخص مبجل كرسول الله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ينبغي أن نتذكر أن دعوته التي ندين اليوم بها قامت على شباب، فهذا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يكلف بأول مهمة في الإسلام: أن يفتدي رسول الله.. مع أن الرسول الكريم كان بإمكانه أن يختار أناس آخرين.. واختيار الشباب يتكرر مع أسامة بن زيد بن حارثة الذي قاد جيش الرسول عليه الصلاة والسلام وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره

هكذا ندرك أن الشباب هم الذين يبنون المجتمع، وعلينا أن نفسح لهم المجال لأن يعبروا عن حضارتهم التي يحلونها في داخلهم، وأفكارهم التي يمكن من خلالها أن يعيدوا البناء ويطوروه.. فلنستغل الفرصة إذن، في هذا الربيع، وليكن ربيعنا هذا هو ربيع الشباب..

(عمود آخر سطر بملحق أنوار الذي تصدره جامعة السلطان قابوس بالتعاون مع جريدة الوطن والمنشور صباح هذا اليوم الاثنين 7 من مارس من عام 2011)

تعليقات

المشاركات الشائعة