الشعب يريد الإصلاح

"لا للفساد، نعم للإصلاح.. جامعة واحدة لا تكفي، حتما لا تكفي.. مجلس الوزراء صح النوم.. 200 ريال وااااجد عليكم.. مجلس الشورى شكلا وصورة.. أين البنوك الإسلامية؟.. يدا بيد حتى تتحسن أوضاع الشعب العماني.. الواسطة تقتل الكفاءة.. لا للفساد لا للظلم.. أين الديمقراطية؟.. لا لمصادرة الفكر والتدبر.. لا للغلاء، لا للفساد.. اعفونا من الديون الشخصية والسكنية.. رفقا بالفقراء فالغلاء يلتهم أحلامهم..." ويافطات أخرى حملها المشاركون في المظاهرة التي أطلق عليها مسمى المسيرة الخضراء2، يافطات تعبر عن آمال من شاركوا في هذه المظاهرة/ المسيرة، إلا أن يافطة " الشعب يحب السلطان، الشعب يريد الإصلاح كانت اليافطة التي سيبرأ بها المشاركون في هذه المسيرة/ المظاهرة من تهمة أنهم يريدون تغييرا للنظام.. وهي اليافطة الأقوى التي يمكن أن تحتوي كل اليافاطات الأخرى والشعارات التي رددها المنضون في هذه المسيرة/ المظاهرة لأسباب كثيرة ربما أولها أنني شخصيا لا ينتابني شك في أن أغلب المشاركين في هذه المظاهرة هم مؤيدون فعليون للسطان، هذه الشخصية الكارزمية التي فعليا حولت عمان إلى بلد آخر غير الذي كانه قبل أربعين عاما، بلد يحاول أن يتجاوز منطقة القبلية التي أفسدته وأضرته في طوال سنوات عديدة، إلى بلد يمكن أن ينتمي إلى العصر الجديد، القرن الحادي والعشرين

ولهذا فإن العمانيين شيبة وشبابا هم موالون للسلطان لا لأنه سلطان وحاكم، بل لأنهم يحبونه لشخصه، ويتمنون أن يطول زمانه ويخافون أن يأتي آخر غيره لا يحمل تلك الكاريزما الرائعة..

لذا فإن هذه اليافطة/ الشعار كانت أهم ما في هذه المظاهرة، وبأن أيادي المشاركين فيها مع يد السلطان في القضاء على الفساد، كما وجه هو ذاته ذات اجتماع لمجلس عمان. الفساد الذي بات يبدد أحلام كثير من العمانيين، الذين لا يتجاوز تعدادهم اليوم ثلاثة ملايين نسمة. الفساد الذي رآه بعض المشاركين بالهتافات ينصب في شخص كل من "مقبول ومكي"

لكن، وهنا يطول الحديث، هل هذا الشخصان هما رمز الفساد فعليا في البلاد؟ ولماذا دائما الفساد يتمثل في شخص وزير ما؟ لماذا لا يكون المواطن العادي بممارسات معينة يقوم بالفساد ذاته؟ وربما أسوأ!

لست هنا لأحلل إن كان شخص أيا كان هو فاسد في واقع الأمر، ولكن أن تتحول مسيرة يراد لها أن تكون سلمية والمطالبة بالإصلاح والرقابة المالية والإدارية للحكومة وادائها إلى مسيرة يهتف فيها بـ" لا مكي ولا مقبول" وكأن هذان الشخصان/ الوزيران هما سبب خراب مالطة!

ليس ذلك الهتاف وحده ما كان مزعجا، بل المطالبة بإسقاط "موسى الفرعي" مالك موقع سبلة عمان كان أكثر إزعاجا، إذ يظهر مدى التوهان الذي يقع فيه كثير من الذين نظموا هذه المسيرة.. من هو موسى الفرعي كي يسقط؟ هل لأن الواحد منا يختلف مع شخص لابد أن يطالب بإسقاطه؟ شخصيا التقيت موسى مرات قليلة ولا تربطني به أية علاقة من أي نوع، ولكن في تلك المرات القليلة كان رجلا دمثا ويمتلك حسا أخلاقيا رفيعا..

أدرك أن هذا الكلام قد يزعج منظمي هذه المسيرة، يزعجهم أن يخرج أحد ليقول رأيا لا يتوافق مع الرؤية التي يفترض أنهم يمتلكونها.. لكن هل كنا جادين في التنظيم لهذه المظاهرة؟ من بين ما يقارب الثلاثمائة شاب حضروا يمكن أن أقول بأن ما يقارب الخمسين كانت لديهم حماسة وحس مسئولية تجاه ما يقوم به إضافة إلى الإدراك التام لمعنى أن يطالب أحدهم بحقوق يمتلكها. البقية كانوا كمن يقاد إلى فرجة مجانية يمكن من خلالها أن يشعروا ببعض الترفيه. كلام صادم ولكن ما معنى أن لا تكون هناك رؤية موحدة لهذه المسيرة؟ حتى في الشعارات/ اليافطات لم يكن هناك من وضوح رؤى، فالبعض جاء يطالب بما يريده هو، لا ما ينبغي أن يوضع في مطالبات المظاهرة.

أن يحل الإصلاح، أن يحارب الفساد، ان تشدد الرقابة المالية والإدارية للدولة وتفعل، أن يكون هناك مجلس شورى بحجم الطموح، ان ان ان... دون تحديد للتفاصيل، فالتفاصيل تقضي غالبا على الأهداف الكبرى، فمثلا التوزيع العادل للثروة، وتحسين أوضاع الشعب العماني لا تعني مطلقا زيادة الرواتب فقط، وهي إحدى المطالبات التي رفعها البعض (هذا لا يعني أني ضد فكرة زيادة الرواتب سواء للعاملين في القطاع الخاص ام العاملين في القطاع العام) أو بإلغاء القروض الشخصية والسكينية (مع أني أحد هؤلاء المديونين) أو بإقامة بنوك إسلامية ربما لا تكون أفضل حالا من البنوك التي يحاربها الكثيرون بدعوى أنها ربوية وأنها حرام.. ولا يعني إصلاح التعليم أن يكون مربط الفرس هو إلغاء الاختلاط في المدارس، مع أن هؤلاء المختلطون هم أطفال صغار غالبا لا يعي أحدهم ماذا يعني وجود فتاة إلى جواره في الفصل، علما بأن طفولتنا الباكرة وحتى المتأخرة كانت فيها الفتيات حاضرات وبشدة، ولم يكن هناك من عيب في ذلك.

أقول هذه الأفكار وهذه الرؤية وأعلم أن كثيرين لا يعجبهم المساس بفكرة "الإسلام في كل شيء" لأنه ديننا الحنيف الذي ولدنا وبلادنا تعيش عليه، وكما حدث في المسيرة عندما قلت بأني ضد فكرة مثل فكرة البنوك الإسلامية سيتصدى أحدهم ويقول: أيوه.. أحسن البارات، ربي ولادك هناك! (مع أن واحدة من الشعارات المرفوعة كان يقول: لا لمصادرة الفكر والتدبر)

إذن هل أقول بأن هذه المسيرة/ المظاهرة فاشلة؟ لا، ليست كذلك أبدا، بل إنها أكدت على أن هناك شبابا يمتلكون قدرا من حس المسئولية تجاه مجتمعهم ووطنهم عمان، وبرغم أن مطالباتهم عفوية وليست عميقة التنظيم أو التنظير إلا أنها لا تخرج عن الواقع الذي يعيشه شباب العرب إجمالا، فهم يشكلون رؤاهم وفق ما هو متاح لهم اليوم، ولا حاجة لهم لمتسلقين يقفزون على أفكارهم ينظّرون في مساءل الحقوق والواجبات والمجتمع المدني وكلام كثير يستهلك الوقت والجهد والمال! كانوا أبسط من ذلك، وأكثر عفوية، وأكثر منطقية في رؤيتهم للأشياء من حولهم.. هذا ما جعل شباب تونس ومصر ينجحون في مساعيهم، دون أن يكون من ورائهم مفكرون أو مثقفون (وهؤلاء الأخيرون أثبتوا في السلطنة أنهم مثل مثقفي تونس ومصر: لا أمل منهم إلا من رحم ربي، وكان حاضرا يطالب بما يردده منظمو المسيرة في مسقط، وهم قلة معدودون على أصابع اليدين، برغم الكثرة التي "تبقبق" حولنا)

وإذا كان من ملاحظات أخيرة فإنها تنصب في أمرين: رجال الأمن (الشرطة)، والإعلام.. فأما الشرطة ـ التي جاءت قياداتها الكبيرة ـ فإنها تستحق أكثر من قبلة إجلال وإعظام، لأنهم كانوا يدا بيد مع المتظاهرين، لا يتدخلون فيما بينهم، بل يطلبون منهم التقيد بمخططهم الذي وضعوه من قبل.. وكانوا متجاوبين لا يمارسون أي إرهاب وضغط على الشباب برغم الكثرة الكثيرة التي كانت حاضرة في حي الوزارات.. حتى لو أن هذا الأمر وهذا النظام كان مرتبا وجاء بـ" أوامر من فوق"

أما النقطة الأخرى، الإعلام، فمهما بدا أنه يحاول أن يكون مواكبا للحدث وفي قلبه، إلا أنه للأسف لم يتعاط بالشكل اللائق، الشكل الإعلامي المهني، مع هكذا حدث.. ولولا أن "الأوامر" كانت واضحة بضرورة بث مادة خبرية لما قام التلفزيون العماني ولا الصحف العمانية ومن قبلهم جميعا وكالة الأنباء ببث تلك المادة الخبرية.. لكنهم يدركون خطورة الإعلام، ولذلك كان لابد أن يسارعوا إلى "مسايرة" الحدث ومواكبته.. بينما لو كان هناك تحليل وتعاط مهني حقيقي، لما كانت هناك في الأصل مسيرة ولا مظاهرة. ما الذي يمنع الإعلام العماني، رسميه وخاصه، من مناقشة مطالبات كإيجاد جامعة حكومية أخرى؟ كالبنوك الإسلامية؟ كالفساد الذي يتم اتهام وزارء فيه؟ للأسف كل القضايا التي طرحتها المسيرة لا يمكن للإعلام أن يناقشها أو أن يقترب منها، لا التلفزيون ولا الإذاعات ولا الصحف.. حتى وإن بدت صحيفة كالزمن مغايرة إلى حد ما ومواكبة، إلا أن كل هذا الأمر لا يمكن أن يعبر عن آمال كبيرة في الإعلام العماني، إذ يظل "أضعف من ضعيف" وهذا ما يؤسف له حقا..

تعليقات

  1. Thank you Hilal. I really like your thoughts here. Allah bless you always.

    ردحذف
  2. نعم للإصلاح ورفع رواتب الموظفين

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة