عودة إلى المعلم
رسائل معلم مدرسة
كتبت: هدى الجهوري
لم يعد باستطاعة أحد أن يقف تبجيلا للمعلم، صدقوني.. إنه ليس ذنبي وحدي أن الأجيال الجديدة من الطلاب لم تعد بقوة الأجيال السابقة في القراءة والكتابة واكتساب العلم، ليس ذنبي وحدي أن يتشتت الطالب بين إعداد المشاريع، وشراء البحوث الجاهزة من المكتبة.
تصور أن نجد طالب ومعه هاتف، يُصور به ويتصل وينشر الفساد بين زملائه، وأقصى ما يمكنني كمعلم فعله عقابا له هو "لفت النظر"، وتقديم الإنذارات لا أكثر. الطالب الذي يجتهد ويثابر ينجح والطالب الذي لا يحل واجباته ولا يمتثل لنصائحي ينجح أيضا، وإن حصل طالبي الخائب على إنذار سيجلس في غرفة الأخصائي ليتسلى بوقته على اعتبار أنّ هذا هو العقاب الأمثل. لكن الأدهى هو أن يتجاور الطالب المجتهد والخائب في النجاح كل عام، فكيف لمستويات متفاوتة أن ترتقي لنفس الدرجة.
ما أن افتح فمي لأخبر بعض أولياء الأمور أن ابنكم يحتاج إلى.. حتى يقاطعني ولي الأمر، "ولدنا ينجح، وما يجيب دواوير في الشهادة"، منذ أن سحبت صلاحيات إدارة المدارس، وهذا هو حالنا.. نبعث بالتقارير إلى المديرية، والمديرية تبعث بدورها إلى الوزارة، وعندما ينسى الطالب جرمه الصغير أو الكبير يأتي الإنذار متأخرا.
وقتي لا يكفيني لأن أحك رأسي، فأنا بين الحصص والأنشطة والمعارض، وكل هذا يجعلني لا أستطيع التركيز في نوعية ما أقدم لهؤلاء الطلاب.
أما قصص المدرسات فأظنها أسوأ من حالي، فكم من الظروف المفاجئة تقع.. فهذه امرأة يجهدها الحمل، وتلك توشك على الإجهاض، وثالثة على وشك الولادة، فيبقى مكانها فارغا في الغياب، إلا إذا رحم ربي ووجد بديل، فلماذا لا يوجد معلم إضافي لكل مادة في حالة أي ظرف طارئ، كما يمكن أن يحمل هذا المعلم الإضافي عبء الأنشطة الثقيلة عن عاتق المعلمين، وكم من منتظري الفرص يجلسون في البيت في انتظار أن تُعلن أسماءهم في الوظائف.
أنا الآن مرهق للغاية، ولا يمكنني أن احتمل مفاجأة أن ينقص بدل التعليم إلى 22 ريالا، أشعر بالرعب كلما تذكرت أن تصنيفي الوظيفي سيرتقي بي كالمصعد مرة واثنتين وثلاث، ومن ثم سيقف بي المصعد في المنتصف، ولن يعاود الارتفاع إلا إذا تغيّر مسماي الوظيفي من معلم إلى مدير أو إلى مشرف.. لكن في واقع التدريس هذا أمر مستحيل وصعب، فكم منّا نحن المدرسين والمدرسات يمكن أن نصبح مدراء أو مشرفين!، القلّة القليلة طبعا، أما البقية الباقية مثلي أنا فعليها أن تكتفي بعلاوتها السنوية، وتصمت.
سنويا أرفع تقاريري عن المناهج الدراسية، وسنويا يعيدوا طلبها مني، دون أن يأخذوا بملاحظاتي، ولا أدري صدقا إن كانوا اطلعوا عليها أم لا!
لم تعد لي تلك الهيبة وأنا أسير بين طلابي، وإن كان البعض يحترمني فإن الكثرة تقول إن هذا المعلم بلا حول ولا قوة، لذا من حقي امتثالا بكل دول العالم أن تكون هنالك نقابة للمعلمين، تدافع من حقوقي، وترفض القوانين التي لا تأتي في صالحي.
عندما تشاهدونني باستمرار في المكتبات فليس ذلك لأني من محبي القراءة، ولكن لأني اشتري الأحبار والأوراق من جيبي الخاص،
معدتي تعبت من تناول "الكروسون"، والسن توب، فما بال معدة الأطفال؟ متى ستكون هنالك شركات جيدة تشرف على ما نأكل!.
الأمر لا ينتهي في الغرف المغلقة للمدرسة، بل يبدأ عندما أخرج لأجد خمسين طالبا يكتنزون في باص واحد، تنعدم منها وسائل الأمان ناهيك عن وسائل الرفاهية، وأفكر ألف مرّة قبل أن أزج بابني بينهم، وأنا أعي أن لحظة عدم انتباه بسيطة ستذهب الكثير من الطلبة إلى قبورهم بدلا من بيوتهم.
عندما كنتُ أشارك في مراقبة امتحانات الثانوية العامّة لا أجد بيسة إضافية في رصيدي، وعندما تبدأ العطلة السنوية يذهب مني بدل التدريس وبدل النقل، وأبقى منتف الريش بين زوجتي وأبنائي.
لكن أكثر ما جعلني أغضب بصدق هو أن تتلقص إجازتي، لماذا أذهب إلى عملي قبل شهر من ذهاب الطلاب، ولا عمل لي فيها.. فقط ليقال أني كغيري من الموظفين إجازتي 45 يوما لا أكثر!.. ماذا عن زملائي الذي يدرسون في مناطق بعيدة، ويدفعون إيجارات عالية من دون بدلات فوق رواتبهم، لماذا استكثروا عليّ إجازتي، وأنا الذي دماغي لا يهدأ طوال أشهر السنة..!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال السابق نشر في الموقع الإلكتروني لجريدة عمان، كان ذلك مساء، ثم في الصباح لم يتم قراءته على صفحات الجريدة ولم يجده أحد على الموقع الإلكتروني للجريدة إذ رفع..
ربما "نشرة العلاقات العامة" لا تتحمل فتح ملفات الناس العصية وما يحتاجونه إلا عندما يطرق بابهم مسئول كبير!
تحية لك أستاذة هدى
ردحذفربما لست مدرسا ولكن لي اطلاع قريب جدا على أحوال أخوتي المعلمين والمعلمات
الوضع بالفعل مزري ومقرف وأصبح التدريس أسوأ وظيفة يحصل عليها العماني
ولكن الوقت أصبح متأخرا وسلم التنازلات التي بدأها المعلمون السابقون انتهى فلم يعد لديهم ما يتنازلون عنه للوزارة الخرقاء
ابتدأت بالمنهج والنظام التعليمي ثم بالطالب والمدرسة والقيمة التربوية وأخيرا الراتب
التحرك الآن والاحتجاج لن يقدما لهم شيئا وخاصة الإضراب الذي أفقدهم تعاطف المجتمع معهم.