الأيام القادمة هي الحكم!

رحل مبارك ـ لا أرجعه الله ـ وصدق الشباب في ثورتهم، وبأنهم قادرون على التغيير، وبأنهم ليسوا سياسيين يتغاضون عن الكذب والتلفيق ويصدقون كل الكلام الفضفاض الذي يلقي به مبارك ونائبه، اللذان جاهدا من أجل مصر، وحاربا من أجل مصر، وقدما كل شيء ممكن لهذا البلد العظيم! (بدليل أحمد عز ورزمة الوزراء اللصوص الذين هربوا ثروة مصر للخارج)

هم في ميدان التحرير، ميدان الشهداء، أكدوا على أنه يصعب على أحد أن يقنعهم بغير التغيير، التغيير ولا شيء آخر غير التغيير، التغيير الذي يضيء النفق المظلم الذي يعيشه شباب العرب من الخليج إلى المحيط، بل يفتت النفق ويجعل السماء قريبة جدا، يجعل الزرقة ناصعة وجميلة، والتلوث الذي عم قلوب هذه الأمة آن له أن ينجلي.. فعلها شباب تونس من قبل، وشباب مصر ليسوا أقل من أن يفعلوها..

وهكذا رحل الطاغية، الذي لم يقدم لمصر أي شيء سوى الإذلال طوال ثلاثين عاما، لم يكن له هدف سوى أن ينمي ثروته الهائلة، وأن يجعل السبع العجاف آمادا لا تنتهي من السرقة والتجبر والطغيان.

ربما ليس خطأه أن جاء رئيسا لمصر، ربما كان السادات لا يريد أن يقفز عليه أحد فجاء به تكريما لقيادته سلاح الجو في معركة العبور، تلك المعركة التي لم تكتمل تماما، لأن السادات كانت له أفكاره ورؤاه التي ينطلق من خلالها.. حسني مبارك ما كان له فكر واضح، وقد وجد نفسه فجأة رئيسا، لأن رصاصة متطرف أنهت حلم الذي سبقه، متطرف ربما كان صاحب قضية يؤمن بها، خاصة مع "تنازلات السيد الرئيس أنور السادات"

فكان عليه ـ حسني مبارك ـ أن ينتبه تماما إلى مصدر تلك الرصاصة، وأن تكون حجته الدائمة كي يقيم سياجا حول ذلك الكرسي الموضوع على حقل من نار، وأن يظل يردد بأن مصر في خطر دائم، بأن "المتطرفون" يستهدفون الحكم في مصر، وفي حال حكموا سينهون حالة السلام، حالة الوفاق مع إسرائيل..

لكنه في النهاية "غار" ورحل، رحل إلى غير رجعة، وكتب المصريون صفحة التغيير، مؤكدين على ثورة البوعزيزي في تونس، ومطلقين النار على بقية الطغاة، وما بقي سوى أن يتحرك الشباب في الجزائر وفي ليبيا وفي العراق وفي سوريا وفي المغرب وفي الأردن وفي اليمن

بل أيضا في السعودية العربية وعمان...

* *

عمان التي ليست بعيدة عن التغيير، إن واصل الشباب يأسهم من هذه الحياة التي يعيشونها، حياة لا تبشر سوى بضيق النفق المظلم، الذي لا نهاية له، ولا ضوء ينير في نهايته..

وفي الوقت الذي يحتفل شباب مصر، شباب الفيسبوك هناك، بنجاح الثورة، يتظاهر شباب عمان، لا لتغيير السلطة العليا، لأنهم ببساطة لا يريدون تغييرها، بل إنهم يحبونها حبا كبيرا، ولكنهم يريدون تغيير أوضاعهم المزرية، حيث الفساد قد استشرى، حيث ضيق الحال زاد عن حده، وحيث كل شيء يضغط على أرواحهم إلى الدرجة التي يوشكون فيها على الإنفجار..

الإنفجار مماذا؟ وهم في بلد "نفطي" يفترض أن تعداده لا يتعدى الثلاثة ملايين في أحسن الأحوال؟ بلد يمتلك الثروة، يمتلك القدرة على أن يكون غنى عن هذا اليأس.. لكن هذه الثروة لا يمسكها الشباب بشكل يجعلهم أبناء بلد "نفطي" كباقي دول الخليج، بل إنهم يرون ثروة بلادهم حكرا في أيادي بعضهم ممن سَهُلَت عليهم الطرق كي يصبحوا في مثل هذا الوضع، في ظل عدم وجود محاسبة، وفي ظل تسامح متواصل، و"لوبيات" تبحث عن مصالحها فقط، فتضيع ثروة البلاد.. تضيع فيما الشباب عاطلون عن عمل، وإن وجودا عملا لم يكن يكفي سقف آمالهم خاصة إن عملوا بشهادة غير جامعية، لم يكن لهم خيار كبير في تجاوزها، لوجود جامعة وحيدة، لوجود جامعات جشعة لا تلبي سقف الآمال التي يتطلع إليها أبناء هذا البلد.. وقد قلت هذا الكلام وما زلت أقوله: إن أردنا أن نحمي بلادنا من انفجار شبابي وضياع في دهاليز مغلقة فإن الحكومة ملزمة أن تجدد في دمائها، أن تقطع دابر الفاسدين الذي يخرجون بين الحين والآخر للملاء فيجد بعضهم نفسه معاقبا ويبقى آخرون في دائرة الحماية والاستمتاع بما في أيدهم وكأن هذا الوطن لا يعنيهم.

مسيرة خضراء، احتجاج معلمين، اعتصامات متنوعة، ما هي إلا بداية لما قد لا يحمد عقباه إن لم يتغير الوضع. وإن حدث أن استمر الوضع كما هو حاليا دون أي تغيير فإننا ربما تبعنا شباب تونس ومصر وإن بدرجة أقل، وإن لم يتحقق تغيير تام، إلا أن ذلك يبدو كافيا ليدخل البلاد في عتمة السواد، وربما لسنوات مقبلة

* *

في كل الأحوال لن نجد الجزيرة ساعتها لتنقل تغطية متواصلة، بل ربما لن نجد أي قناة تنقل الحدث، لأن الجزيرة مهما كانت سندا لثورة شباب مصر، فإنها لن تخرج عن إطار الإيدلوجيا التي تتبنها الحكومة القطرية، التي هي صديقة مقربة من الحكومة العمانية.

بل إننا لن نجد إعلاما "رسميا" كالإعلام المصري يحاول أن يزيف الحقائق، أن يتخبط مثل تخبط هو طوال الثورة الشبابية، إنما سنجد إعلاما لا يلقي بالا بما يحدث في البلاد، لأنه إعلام مشوه لا يخدم عمان ولا أبناء عمان، إعلام أقل ما يقال عنه أنه "نشرة العلاقات العامة" لمؤسسات الحكومة.. حتى نشرات العلاقات العامة لا تحاول أن تقدم صورا زائفة لمؤسساتها، بل تحاول أن تكون على قدر المسئولية فتقدم تقارير وافية فيما تعاني منه تلك المؤسسات كي يتم إيجاد حلول معقولة لها.. وللأسف فإن هذا الإعلام لا يرتقي إلى أي من تلك الصور "الراقية" مهما كرهناها ونقمنا عليها..

* *

أعود إلى أجواء الفرح في القاهرة، وأقول بأن الشباب صنعوها مجددا في مصر، وبأنه يعتد بهم ولا خوف من ضياع قضايانا العربية الكبرى، إذ إن جذوة الأمل أوقدت مجددا، وربما الرئيس القادم ـ الرئيس الخامس في مصر الجمهورية بعد أربعة رؤساء في ستين عاما ـ سيفعل ما يصبوا إليه كثير من الشباب العرب، لا في مصر فحسب، بل من الخليج إلى المحيط.. والأيام القادمة هي الحكم..

تعليقات

  1. وفي الوقت الذي يحتفل شباب مصر، شباب الفيسبوك هناك، بنجاح الثورة، يتظاهر شباب عمان، لا لتغيير السلطة العليا، لأنهم ببساطة لا يريدون تغييرها، بل إنهم يحبونها حبا كبيرا، ولكنهم يريدون تغيير أوضاعهم المزرية، حيث الفساد قد استشرى، حيث ضيق الحال زاد عن حده، وحيث كل شيء يضغط على أرواحهم إلى الدرجة التي يوشكون فيها على الإنفجار..
    الأدوات تغيرت يا صديقي، والنظم التي تظن ذاتها راسخة لم تواكب الطفرة المعلوماتية الهائلة التي ولدت ما يعرف بإعلام المواطن، والشعوب أيضا تعارفت وتلاقت، لم يعد من شيء يقف أمام إرادات الشعوب

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة