فخامة الرئيس ومكتسبات الأمة

ها هو السيد الرئيس يقرر بعد ثلاثين عاما من الزعامة المطلقة أن يعين نائبا له،

ها هو يختار الرجل الغامض الذي تقول دوائر الدراسات السياسية بأنه واحد من الأسماء المرشحة لخلافته، المرشحة بقوة، نظرا لذلك الغموض الذي يحيط به، نظرا لذلك القبول الذي تبديه الدوائر الرسمية في كل من السيدة أمريكا والأخت إسرائيل

وفي اللحظة التي يتوقع الكثيرون أن يتحقق التفاؤل وأن تنتقل العدوى إلى العاصمة القاهرة بعد تونس، يحدث أن يؤكد سيادة المدير العام للشركة المصرية "مصر ش ع ع م" (لكم أن تفسروا الحروف كيفما شئتم) يحدث أن يؤكد على أهمية الحفاظ على مكتسبات الأمة، تلك الجملة التي طالما رددها كما يردد الببغاء جملة حفظها عن ظهر قلب

وأهم مكتسبات الأمة هو سيادة السيد الرئيس الذي كان إنجازه الأكبر والأهم أن قاد عملية التحرير، عندما كان ضابطا يقود أسراب الطائرات الحربية المصرية التي على ما يبدو أنها "تعفنت" في المخازن، وتحول طياروها إلى أن يكونوا "مضيفين" أو مساعدي طيارين في إحدى الشركات المساهمة العامة التابعة للحزب الوطني الحاكم، التي يديرها مجموعة من اللصوص ظهورا في فترة ما بعد الانفتاح الذي أطلقه الذاهب إلى غير رجعة قائد العبور الأول السادات.

إذن عمر سليمان نائبا للرئيس، وإذن قرر أخيرا فخامة السيد الرئيس أن يقول لشعبه بطريقة لا مواربة فيها: أنا أفهمكم جيدا، أفهم أنني لن أذهب من هذا المكان، فالقاهرة ليست تونس بالتأكيد، القاهرة اليوم ليست هي القاهرة التي صدرت الثورة أيام عبد الناصر، بل هي التي تصدر الانحلال والفساد و"الهشيك بشك" و"الفهلوة".. هي التي ما عاد فيها اليوم رجل يشار إليه بالبنان، وبأنه ربما يكون القائد التنويري القادم، وليس اشتراطا أن يكون "فخامة السيد الرئيس" الجديد

ويبدو أن سيادته يراهن على الوقت، يراهن أن الشباب اليائس، شباب الفيس بوك الذين لم يخبروا ما خبره هو من أهوال وحروب ومسيرات ومظاهرات ويسار ويمين وأفكار وقضايا كبرى، يراهن بأنهم سيتعبون وسيعودون إلى بيوتهم إن كانت لهم بيوت، خاصة مع الهراوات وخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والمخبرين والجواسيس والمندسين، وأيضا مع ضعف قوتهم بالحصار الشديد على وسائلهم غير التقليدية في التنظيم، وعودتهم إلى عصور الظلام، حيث عليهم إن أرادوا الاستمرار العودة إلى المنشورات التحريضية والحركات الفدائية تلك التي أزعجت الإنجليز في تلك الأيام التي جاء فيها فخامة السيد الرئيس

فخامته يراهن على أن كل شيء بخير، ومقتل عشرين أو مائة أو حتى مليونا، لا يعني أنه ليس مرغوبا، بل يعني أن سبعين مليونا آخرين معه، باختلاف انتماءاتهم، باختلاف مشاربهم، أيدلوجياتهم، أصولهم، مواقعهم...

إنه يفهم بطريقته الفريدة من نوعها، وله الحق في ذلك، حيث من ورائه أمريكا، وحيث أننا جميعا من المحيط إلى الخليج لا نفهم قدر ما يفهم هو وعصبته من الساسة العباقرة

من جهة أخرى يدرك سيادته أن هذه الأحداث "عارضة" فهي جاءت بتأثير من تونس المجاورة، وهذه تحدث "شرخا" في كبرياء المصري الذي تعود أن يكون هو الأول، هو الذي يقدم الثورة للآخرين، ولذلك فإنه من العيب جدا أن لا تحدث "ثورة" مقابلة في الجوار، ليسقط الديكتاتور الآخر، كما سقط الأول في تونس

هذا الأمر يطمئن فخامته، إذ إنه يشارك الناس في "حزنهم" على أنهم لم يكونوا هم المصدرون للثورة، على غرار تاريخ كبير تأسس منذ حملة نابليون وربما ما قبلها.

هكذا سيعود الأطفال إلى بيوتهم، خاصة أن الجيش حزم أمره وقال بأنه سيتعامل بشدة وقسوة مع المخالفين لأمر حظر التجول، الجيش الذي لو غير موقفه الحالي لتغير مجرى الأحداث الجارية في المنطقة.

وهكذا ينطفئ التفاؤل، ولذلك عودوا إلى متابعة قنوات الأفلام المصرية وتأكدوا بأن كل شيء بخير، واشكروا فخامة السيد الرئيس على إصراره المحافظة على مكتسبات الأمة!

تعليقات

المشاركات الشائعة