فرحة التغيير
هو الجوع الذي يحركهم، جوع التغيير
هو الخوف الذي داهمهم، خوف غياب الحرية
هو الغد والتاريخ الذي لن يرحمهم إن طأطأوا الرأس أكثر واستكانوا للقدر البغيض
هم الأبناء، الأحفاد، الأجيال القادمة التي ألهمتهم المبادرة، فنبتت لهم أسنان الذئب الجريح
هكذا يتغير الغد، هكذا نقول للحاضر: قد غيرك أهلنا في تونس، وحملوك إلى سنوات لاحقة، ليست لنا، ليست لنا على الإطلاق، وقالوا بأن الشعب إذا أراد كان ما يريد
* * *
منذ البارحة وأنا أنتشي، وكأني قد حققت انتصارا في معركة ما، أنتشي بفكرة أننا ما نزال أحياء، نحن العرب بطبيعة الحال، ما زال ثمة ما يمكننا أن نفعله، أن نقدمه لأيامنا المقبلة، وأن نرويه لأبنائنا بعد حين، فلا نحكي لهم عن ماض لم نعشه، بل نحدثهم عن لحظة مشرقة في حاضرنا الذي عشناه، حاضرنا المحاصر بالحوادث الغبية، حوادث الانهزام والانكسار والضياع
منذ أن جئنا للدنيا ونحن ـ نحن الشباب ـ لم نعرف لحظات سعيدة في حياتنا العربية، إلا تلك العابرة التي لا يخلدها التاريخ تماما، كفوز أحمد زويل بنوبل مثلا، لم نعرف أن نقول للعالم القرية الصغيرة بأننا أيضا لنا وجود، ولنا حياة، ولنا كرامة، ولنا قدرة على تحقيق ما نريد، ولنا ولنا ولنا.... أشياء كثيرة مسحتها عربات الفشل المتواصل، وقادة الكلام المجاني، والسياسيون الذين لا يعرفون سوى مصالحهم وحدهم فحسب، منذ انكسار لبنان في بدايات الثمانينات من القرن العشرين بأيدينا وليس بأيدي الأعداء، مرورا بنكستنا العراقية، وانتهاء الحلم الفلسطيني، وانهيار فكرة أننا نمتلك قدرات كبيرة يحق لنا أن نتفاخر بها، تلك القدرات التي يكشف الوقت أننا لا نملكها، لكن يحركها أصحاب المصلحة الطامحون الطامعون الجشعون الذين يندسون بيننا من باب القرابة والقبيلة والحزب والمذهب ووو...
شباب تونس، شعب تونس، عرب تونس، غيروا كل هذا منذ تاريخ الرابع عشر من يناير، بل منذ تاريخ السابع عشر من ديسمبر عندما جاء محمد البوعزيزي وقدم نفسه تضحية للتغيير، هذا الإنسان الذي لم يكن طامحا في سياسة، وليس مثقفا، ولا متنورا، ولا قياديا في مجتمعات التمدن وخلافها، بل كان واحدا من الناس يريد أن يعيش مستورا، كان حنظلة سعد الله ونوس في مسرحية بائع الدبس الفقير، الذي لم يكن يريد شيئا سوى رزقه الذي يقيه العراء والجوع قدر الإمكان، ولا يريد غير ذلك
يومها حرق نفسه محمد، ليشعل نار الثورة التي لم تنخمد، ولم يصدر لا بيانا ولا استهلالا سياسيا، ولم ينضو في معارضة سياسية لا في الداخل ولا في الخارج، ولم يرتكب تفجيرا في أبرياء باسم الدين، ولا أعلن عداء للغرب أو أمريكا، بل كتب لأمه وقال بأنه مسافر، وبأنه لم يعد يستطيع العيش هكذا، وأحرق نفسه
كان واحدا من الشباب العرب الكثر الذين لم يجدوا فرصة للعيش القويم برغم أنه يحمل شهادة جامعية، وبرغم أنه كان يبيع الخضار إلا أن آلهة الزمن الفاسد لم تمهله متعة العمل ذلك، إن كان ممتعا، فصادرت حياته، ولم تعتذر له
هكذا تتولد الحكاية
من رحم القهر يولد حنبعل جديدا ليقول بأن الحرية فعل نمارسه، لا شعارا نردده في الأمسيات، وفي جلسات السمر المخمورة
* * *
فرح إذن أنا
فرح لأنني أشعر بأن ثمة أمل، وثمة شباب عرب يملكون القدرة على أن يقولوا كلمتهم دون انتظار لعسكر يقلبون موازين الأمور ويعيثون في الأرض فسادا، ولا ينتظرون سياسيا عميق التجربة كي يحررهم من ربقة الطغيان والاستبداد، ويمنحهم شكلا آخر من أشكال محق الحرية
هكذا يتغير التاريخ
وهكذا أقول للتوانسة: بارك الله فيكم، وجعلكم مثالا يحتذى، والعقبى لمن ينتظر منهم منذ أمد أن يغيروا وجه التاريخ الحديث
تعليقات
إرسال تعليق