عُمان مستهدفة!

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على التسريبات التي قامت بها "سبلة عمان" فيما يتعلق بخلية التجسس التي رصدتها السلطنة لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة، والمتهمة باستهداف نظام الحكم في السلطنة وآلية العمل الحكومي والعسكري، يتم أخيرا الإعلان الرسمي بما يحمله من تبعات واستفسارات وكلام كثير حول المرحلة المقبلة من العلاقات بين الدولتين الجارتين: الإمارات وعمان، اللتان بكل تأكيد ليستا جارتين فحسب، بل هناك ما هو أكبر من الجوار "السياسي" هناك علاقات تمتد عبر الزمن، منذ نشوء دولة آلبوسعيد وما قبلها، منذ أيام "الغافرية والهناوية" والتحالفات القبلية التي أسست المنطقة وشكلت معالم الإمارات السبع، التي نعرف بأنها كانت تسمى إلى وقت قريب "ساحل عمان المتصالح" وبأن المواطن العماني له أخوة مواطنون في الطرف الآخر: الإمارات، سواء في إمارة أبي ظبي أو دبي أو الشارقة أو الإمارات المسماة بالإمارات الشمالية.

تم الإعلان إذن، وعلى الأخوة الجيران الآن أن يلتفتوا إلى المرحلة المقبلة بشيء من الدقة، حيث أن السياسة قد تفسد ما بينهم، لا قدر الله، مع اعتقادي بأن الحكومة العمانية هي أشد حكمة وذكاء من أن تعرض أبناءها إلى مواقف محرجة، وبأنها تدرك بأن الفعل الذي تم (خلية التجسس) ما هو إلا عمل "أطفال صغار" أرادوا أن يقفزوا على التاريخ وعلى الراهن الذي يؤكد صغارهم مهما انتفخت جيوبهم من المال، حتى وإن كانت التهمة قد عمت كل الدولة المجاورة، إذ إن السيئة لا تخص بل تعم!

وبمقدار سوءة الأمر إلا أننا لابد أن نقرأه من منظور آخر: دولة غنية وتملك كل مقدرات الربح والقوة الاقتصادية تعمد إلى تجنيد مواطني دولة مجاورة لها كي يتجسسوا على الحكم فيها، كي يعرفوا على ماذا تعتمد هذه الدولة الصامتة التي تنحى حكومتها الهدوء في كل شيء، ولا يكاد يعرفها أحد في العالم إلا على أساس خجول، هذه الدولة التي لا تكاد يخرج أحد أبنائها إلى الخارج حتى ينتشي بما يسمع من كلام كثير حول أخلاق العماني وطيبته وفي أحيان كثيرة سذاجته خاصة في بلاده عندما يفتح ذراعيه للغريب بكل حب وإخاء، مهما بدا عنجهيا مع مواطنه

تحاول هذه الدولة أن تكشف الغيب، تحاول أن تعرف الأسرار، أن تفتت هذا الجار المسكين، لأسباب كراهية لا علاقة لها بأمور السياسة والجوار والكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر، بل بعنجهيات شيوخ القبائل القدامى الذين لا يريدون من القبائل المجاورة لهم إلا الدمار ربما لموقف قديم، ربما لأن فارس القبيلة المجاورة خطف قلب عذراء القبيلتين، اختارته هو دون سائر خلق الله! هذا يحدث في مثل هذا العصر، برغم أننا نتشدق بالعمل تحت مظلة مجلس التعاون، وبأننا مواطنون في حضن هذا الخليج وهذا المجلس.

ألا يثير مثل هذا التجسس التساؤل: لماذا؟ لماذا يقوم صاحب الجاه والقوة الاقتصادية بالتجسس على الفقير الذي لا يبغي سوى الستر؟

من جهة أخرى: المتجسسون، أبناء الوطن، الذين غالبا لم يكونوا في حاجة لمال أو ثراء لأنهم يحتلون أماكن عليا، أماكن توفر لهم المكانة والمال والغنى والثروة بكل سخاء حتى تكون قلوبهم وعقولهم على الوطن، هؤلاء المتجسسون ما الذي يدفعهم إلى مثل هذا الفعل إذا ما نفينا العامل الاقتصادي؟ فالذي يبيع روحه للشيطان يبيعها من أجل أمرين: المال والسلطة، فهل مطلبهم السلطة في مجتمع تحكمه قواعد قبلية راسخة لا يمكن زحزحتها بسهولة؟ أعتقد أنها السلطة، والتطميع الذي لقيه هؤلاء خاصة الذين ندرك جميعا أنهم واصلون في الحكومة العمانية ولا يرد لهم طلب كما يقال.

الأمران في حد ذاتهما خطيران، فالأخوة أبناء العمومة، أبناء زايد اكتشفوا كم هم غير مستورين، اكتشفوا بعد رحيل زايد بأن البقاء ليس لصاحب المال والجاه في هذا الركن من العالم، بل لصالح التاريخ، والتاريخ يماشي عمان حتى وإن اشتكى مواطنها من الجوع وقلة الصحة وضياع الفرص التعليمية والعملية، حتى وإن كان مواطنها يريد ما في يد أخيه المواطن الإماراتي من مال ورفاهية وقدرة على الحياة في منطق القرن الحادي والعشرين

في المقابل، فإن عمان تكتشف أنه بعد أربعين عاما من محاولة رأب الصدع بين أبناء البلد الواحد، وجعلهم يفكرون في المجتمع بالطريقة الحديثة، بالطريقة التي تكون فيها المصلحة القبلية منزوية في الأعماق البعيدة، بعد هذه السنوات تكتشف البلاد بأن كثيرا من أبنائها لا يحملون سوى الاسم الشرفي، فيما هم لا يعملون لصالح عمان، لا يخلصون لها، يخلصون لمبدأ المصلحة الذاتية، حيث موقعهم الاجتماعي قد لا يمنحهم أي امتياز في حال أن تبدلت السلطة العليا، وبأن القانون الموضوع ليس كفيلا بأن يمنحهم المساواة كما هو الحال في مجتمعات متمدنة

بل هناك ما هو أشد وطأة: أن تكشف عمان أنها ما زالت تحت وطأة مصالح الذات وليس مصالح الصيغة الجمعية، وبأن ما قد يضيع هذه البلاد ـ وما أضاعها في التاريخ ـ هو وجود هذا الخلل في الفكر العماني، حيث الأنانية المفرطة، حيث "أنا" ولا أحد غيري، وهذا للأسف ما تمشي عليه بلادنا اليوم، وهذا ما يجعل من وضعنا خطرا مهما كان الوضع الأمني قويا، وعيون البلاد مفتوحة على اتساع من أجل حماية البلاد، إذ ما يدريك بعد قليل ما يحدث؟ لربما تغير كل شيء، ولا فرصة لنا في المستقبل

يدعم هذا التوجه كثير من الأخطاء التي تقع فيها الحكومة الحالية، وعدم وجود جيل واع بمصالح بلاده، عدم وجود وضوح في تفاصيل السلطات والقوانين التي تمشي العمل وتسير أمور المؤسسات الحكومية

هذه الأخطاء مع وجود ضغط الأشكال والمضامين التي يعيش فيها المجاورون لعمان، ولدت شعورا بالضيم والظلم وعدم وجود عدالة في توزيع الثروة، شعور نابع مما يسمعه المواطن ويعايشه، وللأسف الشديد ليس هناك من مخطط لإزالة مثل هذا الشعور، بل الأسوأ أن نجد أبناء الوطن عاطلون عن العمل وهم يحملون شهادات عليا، ونجد مخرجات التعليم العام غير قادرة على أن تواصل طريق الدراسة لوجود جامعة حكومية واحدة تستقبل ما يقارب ثلاثة آلاف طالب سنويا، فيما المخرجات تزيد في كل عام وتتعدى 48 ألف طالب وطالبة قلة منهم من يجد فرصة تتمة دراسة جيدة، فكيف يمكن لهؤلاء أن يخلصوا لوطنهم وهم مكبلون بكثير من القيود؟ وحالما ينظرون إلى بني عمومتهم وأقربائهم في مدن الدولة المجاورة يتحسرون على ما وصلوا إليه من إهدار لقيمة الإنسان داخلهم من قبل حكومتهم

أعتقد أن الأوان قد حان لأن تغير حكومتنا نظرتها للأشياء من حولها، وأن تمنح جيل الشباب الفرص الجيدة المقبولة كي تقربهم من الإخلاص أكثر فأكثر، عليها أن تفكر في الغد والمستقبل، وفي عمان وليس في مصالح ذاتية أو حتى جمعية ولكن بصيغة محدودة وغير مرتبة!

تعليقات

  1. ((تم الإعلان إذن، وعلى الأخوة الجيران الآن أن يلتفتوا...))

    أنا لم أفهم مالذي تم إعلانه فلم أسمع أنه تم إعلان رسمي بهذا الخصوص.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة