ثورة الجياع

ماذا يحدث في البلاد العربية؟

بن علي يتنحى بعد ثورة الجياع في العاصمة الخضراء تونس، بعد ما يزيد على اثنين وعشرين عاما من تسلمه زمام الأمور، بانقلاب، يغادر زين العابدين بن علي بلاده إلى تونس تحت حماية ليبية (لنتذكر أن القذافي جاء بثورة عسكرية قبل واحد وأربعين عاما ليكون أقدم حاكم عربي حتى الآن مدعوما حينها بالشعارات الكبيرة: العروبة والقومية والشعب العربي الذي ينبغي أن يحكم ذاته)

شخصيا لم أتوقع أن يتفوق الشعب في ثورته الحالية، أن يترك حاكم عربي الحكم لأن شعبه يريده أن يرحل، يريد أن تزول تلك الحكومة التي سامته الظلم والفساد والعتمة طوال اثنين وعشرين عاما

لكن هذا الأمر حدث، حدث للمرة الأولى ربما منذ الثورة الإيرانية، وكما جاء بالقوة ـ بن علي ـ رحل بقوة الشعب، الشعب الذي آن له أن يطبق مبدأ: حكم الشعب للشعب

هذه هي في رأيي قمة الديمقراطية، بل هي أفضل ألف مرة من الكذب على الناس بأن الشعب هو المصدر الأول للحكم، هو الذي يريد هذا الحاكم أو ذاك

مع ذلك لا ينبغي أن أنجرف وراء عاطفة الشعب تماما، فزين العابدين بن علي لم يكن سيئا تماما، كان كل أمله أن يعيش بمقربة الكرسي، أن يموت وهو جالس عليه، وفي سبيل ذلك كان أن ألغى كثيرا من الحريات، وكمم الأفواه، ومحق من يسول لنفسه أن يقول الله أكبر، معلنا دولة عربية علمانية تماما، ولذلك لا نسمع إلا قليلا عن مد إسلامي متطرف في تونس، فالمعارضة بكافة أطيافها ممحوقة تماما، في سبيل الحزب الواحد، في سبيل كلمة الرجل الواحد الذي قال بأن سلفه قد خرف ولم يعد قادرا على الحكم والرئاسة ولابد من تغيير

ودار الزمان عليه حتى جاء موعد الرحيل

مع ذلك ينبغي تذكر أن تونس من قبل بن علي وفي عهده كانت تنمي الإنسان، وتعمل على تعليمه ليحصل على أفضل مستوى تعليمي، وهو ما يجعل تونس ـ ربما ـ الدولة العربية الأولى في مجال التعليم، وفي مجال محو الأميات والجهل، ويكفي أن جامعاتها تعد جامعات متقدمة والذي يبتعث للدراسة إلى تونس، فإنه من أصحاب الحظ الجيد، مقارنة بمن يبتعث إلى بلاد عربية أخرى

أتذكر أنني قابلت سفيرا تونسيا، فكان يحكي لي عن أهمية تنمية الإنسان في تونس وبأن العمل على هذا الأمر هو الذي يجني الثورة في آخر المطاف، فهذا التونسي المتعلم المتفتح الذهن لن يقلق كثيرا على أنه لا يمتلك مهارات وقدرات، وما عليه سوى أن يفتش في كل مكان كي يجني قوت يومه، وذلك الذي يسافر إلى أوروبا ودول العالم "الأول" فإنه يرد لبلاده كثيرا مما استثمرته فيه

فكرة جميلة في ظني، وبدل أن نصدر خريجي الثانوية العامة، أو ما يسمى اليوم بشهادة الدبلوم العام، نصدر متعلمين حاملي شهادات عليا، إلى دول الجوار وحتى إلى اماكن اخرى كي يصدروا بدورهم لبلادهم "العملة الصعبة" لكن للأسف نصدر أنصاف متعلمين لكي لا يجنوا شيئا ثم يعودا فيكونون عبئا على بلادهم، لا يعرفون ما يفعلون

إذن فعلها الجياع في تونس، فهل الدور على الجزائر ذات التاريخ المليء بالدم، دم الأبرياء بالدرجة الأولى، لأن الديمقراطية لا تعترف في بلادنا العربية إلا بصوت واحد فقط؟

وربما يفعلونها هؤلاء الجياع في المغرب أيضا، في موريتانيا، واملي أن يفعلها جياع مصر كي نجدد قليلا من الأمل في دمنا العربي البارد

تعليقات

المشاركات الشائعة