ما زلت في الشارع أشارك في زفة

أما بعد،

فإليكم هذا الخبر الموجز: ألقت الشرطة القبض على عريس بتهمة قيامه بضرب وإيذاء عدد من ضيوفه الذين شاركوه "زفته" إلى عش الزوجية! بصراحة استغربت هذا الخبر الذي تناقله أهالي البلد، وقلت لمحدثي: هذا رجل مخبول! يفعل هذا الأمر في ليلته التي لا تعوض؟ إنها ليلة العمر ،فمن ذا العريس المتعجرف الذي يفرط فيها من أجل ضرب الناس؟ ويضرب الناس ويؤذيهم لماذا؟ إنه بالله لرجل مخمور! تدارك محدثي ضاحكا وأخذ يسرد عليّ حكاية العريس الذي نام ليلته الأولى في الحبس، بدل أن ينامها في "القفص الذهبي".

تتلخص الحكاية كما رواها محدثي في الآتي: عندما اقتربت ليلة العمر الخاصة بهذا العريس (وهذه الكلمة خطأ شائع والصواب عروس تطلق للطرفين دون تمييز أحدهما على الآخر) قرر أن يلزم كافة من سيشارك في الزفة، وهي العادة التي يحييها أهالي العريس ليلة عرسه بأن يزفوا بالسيارات والحافلات عروسه إلى منزل العريس، قرر أن يلزمهم بتعهد مكتوب بأن من لا يلتزم بآداب الطريق ويبدأ أثناء الزفة في القيام بتصرفات غير لائقة ومزعجة للسائقين خارج الزفة وخطيرة؛ فإنه ـ أي العريس ـ سيقوم بكسر أصابع المتهورين وتعطيل سياراتهم! وكان قد أعد لهذا الأمر أوراقا شبه رسمية ووزعها على كافة الذين سيشاركون في الزفة، مصرا على أن من لا يسلمها موقعة من قبل سائق السيارة ومصحوبة بنسخ من جواز السفر والبطاقة الشخصية ورخصة القيادة.

كلام غريب فعلا، ولا يدل إلا على شخص مصاب بالجنون! هذا ما قلته لمحدثي الذي تابع يقول بأن الشعور ذاته هو الذي تسرب إلى كافة من تسلم تلك الأوراق والمطالب، ولكنهم كانوا يظنون أنها "نكتة" من هذا العريس الذي يبدو أنه يستقبل الحياة الزوجية بطريقة جديدة، وكأنه يقول بأن الجنون لم يأت بعد! المهم أنهم فعلوا ما طلب منهم متأكدين أن هذا العريس مجنون رسمي، وعليهم أن يسايروه حتى تنتهي تلك الليلة الحمراء، فأعطوه ما طلب وهم يضحكون ويلقون عليه الألقاب الساخرة.

وماذا حدث بعد ذلك؟ سألت، فأجابني محدثي بالقول: كل شيء كان يمشي وفق المخطط، والأغاني منتشرة في كل مكان وفرح هائل يغطي الجو، والجميع في انتظار خروج العروسين من خيمة الأفراح ليزفا إلى "القفص الذهبي" ولم يدر أحد أن شيئا ما سيحدث، وبأن بعد قليل سيوقف العريس سيارة عرسه ويتوقف من بعده الجميع ليخرج مطرقة اشتراها صباح عرسه من السوق ليقوم بمهمته التي عاهد نفسه بها على ما يبدو.

كلنا استغرب ذلك، وكلنا سألنا: لماذا كل هذا؟ ولكنه لم ينطق بكلمة حتى جاءت الشرطة وقادته إلى مركزها للاستجواب، طبعا بعدما أوصل عروسه إلى "قفصهما الذهبي" موصيا إياها بألا تخرج للناس حتى يعود إليها، وأظن أنها لم تفهم شيئا ولكنها امتثلت لكلامه ربما خوفا من جنون قادم يحل عليها، فالجواب واضح من عنوانه، وعلى المرء أن يتحرز في مثل هذه الظروف الصعبة.

الشرطة سألت صاحبنا العريس عن أسباب فعلته ولماذا قام بما قام به من تكسير لأصابع السائقين الذين شاركوه الزفة، وتحطيم سياراتهم وتكبيدهم خسائر فادحة في المال والجسد؟

صاحبنا العريس وبكل شموخ أخرج الأوراق من جيبه وقال: هم تعهدوا بأنهم إن أخلوا بعهدهم يكون جزاؤهم ما حدث، وكان الشرطي ينظر إليه بغرابة، لكنه أكمل يقول: هؤلاء يستحقون أكثر من ذلك، إنهم يعرضون الناس للموت والخسائر من أجل استعراضاتهم المريضة في الشارع، الشارع ليس ملكا لأحد، فلا يجوز القيام باستعراضات فجائية كالتي تحدث في الأعراس، وخاصة في شوارع رئيسية مزدحمة، بل في كل الشوارع وليس الرئيسية وحدها، لأنهم بذلك يعرضون حياة أناس لا دخل لهم بهذا العرس أو ذاك للتهلكة. ما ذنب هؤلاء كي يعانوا من عرس أحدهم؟ الآن المشاركين في الزفة يفرحون بطريقتهم الخاصة؟ بالـ"ويلات" والـ"تفحيصات" والتجاوزات الخاطئة؟ لذلك قمت بما قمت به، وقد أكدت لهم أنني لن أتهاون معهم في هذا الأمر، لأني أريد لعرسي أن يكون نظيفا بعيدا عن المغالاة والتزمت، وكم كنت أود أن أفرح بكل هدوء وبدون إزعاج أحد أو تعريض حياته لخطر، ولذلك خطرت لي هذه الفكرة، كي يحس هؤلاء المتهورون بما قد يحدث للآخرين من أضرار بأفعالهم الرديئة. الشرطي لم يصدق ما يسمعه، وطالب بكشف على الرجل لربما كان مخمورا أو مجنونا، وبعد أيام أفرج عنه ليس لأنهم وجدوه مجنونا، فهو ليس كذلك، بل لأن أصحاب الضرر لم يشتكوا خوفا من أن يورطهم في أي قضية من القضايا، وهكذا انتهت القصة.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة