صوت واحد فقط

طوال البارحة لم يهدأ الهاتف
كل الرسائل جاءت تعاتب وتنذر، جاءت تقول بأن كاتبة المقال وقعت في المحظور، وبأنها أفتت وهي ليست عالمة دين، وليست مؤهلة، وبأنها امرأة، وحرام عليها أن تتحدث عن الأسس وضرورة تغييرها، فالحرام بين والحلال بين!
وبرغم أن المقال كان يتحدث عن واد غير الذي انطلقوا فيه، إلا أن العمانيين لا يريدون أن يقول أحدهم إلا ما يريدون، لا يريدون أن ينصتوا لصوت مغاير إلا صوتهم الذي بكل تأكيد يرونه صوت الحق والصواب!
وغير ذلك ما هو إلا مؤامرة تدار من قبل الغرب، الغرب المادي الذي صدر إلينا كل الأفكار البالية الهدامة، وهم الذين صعدوا على أكتافنا عبر مئات السنين، واليوم لأننا نمر بمرحلة الضعف يسممونا بأفكارهم العقيمة!
أحدهم، وهو رجل يعتقد بأنه رجل دين وعلم، وبأن عمامته تجعله في الجنة وغيره في السعير، أرسل معاتبا: لماذا تتحدثين عن حرية اللباس وتحرير المرأة؟ وإحداهن تقول بأن السفر دون محرم حرام حرام، وآخر وآخر وآخر.. كلهم انتبهوا للأمثلة المطروحة في المقال، ولم ينتبهوا للفكرة العامة التي تقول بضرورة تغيير الخطاب الديني والكف عن الحديث في الشكليات كتحريم الغناء مثلا، أو السفر دون محرم بحجة الوقوع في شرك الخطيئة، أو أن الرياضة وملابسها مثيرات للفتن
هي لم تقل بأن الحج مثلا يحتاج إلى إعادة صياغة، وبأن الصوم ينبغي أن يواكب تطورات الوقت كأن نصوم عن الطعام ولا نصوم عن السجائر واللقاءات العاطفية في رمضان حلال لأنها ليست زنى صريح!!
كان المقصد هو ضرورة التفكير في طرق جديدة لتشكيل خطاب ديني يتواءم والعصر الحالي، يستنطق أحواله ويستمد منها أساليب دعوية تجلب الناس لا تنفرهم وتكرههم في الحياة وفي الإسلام..
ولنا في أمثال عمرو خالد عبرة..
ولو أن المبشرين بالنصرانية كانوا غلاظ النفوس والقلوب لما انتشرت المسيحية بذلك الشكل الكبير في العالم، ولا تقولوا لي بأن المسيحية انتشرت بحد السيف والتعذيب، ولتذهبوا إلى الجزائر حيث اللين والملاطفة والأخلاق الحسنة هي التي جعلت الكثيرين يبتعدوا عن الإسلام ليدخلوا إلى النصرانية، فيما أخوة الإسلام تقاتلوا بينهم حتى صارت الجزائر بركة دم وأرض إرهاب وتحريم....
عموما
هذا هو المقال الذي أثار كل ردة الفعل هذه، وهو الذي كشف أننا لا نستطيع أن نستمع إلا لصوتنا فقط، وبأننا لا ننظر إلا إلى دائرتنا الضيقة، وبأننا نذهب إلى الهامش مغاضبين ونترك صلب الأشياء ونواتها، فهل يغير الله أحوال قوم ما لم يغيروا ما بأنفسهم؟
صور أخرى للخطاب
هدى الجهوري
الجيل الجديد الذي يصحو على الانترنت، وعلى البرامج التلفزيونية المتنوعة، وعلى كتب المعرفة، وعلى السفر إلى العالم المفتوح..
لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتقبل داعية يصرخ في وجهه بالحلال والحرام إلى أن ينفره من الدين.عندما نشاهد الشاشات العربية، والبرامج الإذاعية في شهر رمضان، نجد أن الخطاب الديني لم يتغير كثيرا، وأنه لا يسير حثيثا مع المستجدات التي طرأت على حياتنا.. إذ لا يزال في كثير من أحواله غير قادر على امتصاص الهوة العميقة بين حياتنا الآن والحياة التي كانت قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرنا..
هنالك محاولات جديدة لا يمكن أن ننكرها خرجت بالخطاب الديني إلى آفاق واسعة من التأويل، واستطاعت أن تفهم الشاب ونفسيته..يمكنني أن أقرب الصورة أكثر.. أحد الدعاة كان يقول في مقطع صغير من فكرته: "الشاب الذي يخرج لممارسة الرياضة على سبيل المثال لا ينبغي أن نثقل عليه، ونقول إنك تلبس فوق الركبة فلباسك حرام..علينا أن نشجعه على الرياضة التي أبعدته عن الصحبة السيئة، وعن تناول المحرمات ".. مثل هذا الخطاب هو خطاب جاذب محبب، يوصل رسائله بصورة غير مباشرة، وقادرة على الإقناع أيضا.فهل يعقل أن يأتي أحدهم ويقول: ان العمل المختلط هو أحد أهم أسباب الزنى مثلا.. بالرغم من أنه لا توجد إحصائيات واضحة في هذا إلا أن هذه الفاحشة تأتي في أحيان أخرى من نساء يقرن في بيوتهن، أو نتيجة فراغ الشباب والبنات، ولأسباب تقصير الزوج أو الزوجة العاطفي، وأسباب أخرى كثيرة وجوهرية، بينما العمل المختلط يبقى أمرا عارضا!ويأتي آخر ليقول ان سفر المرأة بدون محرم حرام .. إن كان هذا الحكم ملائما قبل أربعة عشر قرنا نتيجة لعدم توفر المواصلات، ولعدم خبرة المرأة الكافية بالحياة، فإن الأمر اختلف كثيرا.. فالمرأة المتعلمة المستقلة بذاتها تسافر دون أن تلقى أي عقبات، وأكاد أجزم أن الرجل هو من ينبغي أن لا يسافر بدون زوجته لكي لا ينحرف أمام أي إغواء خارجي. مراهق صغير يسأل بعد عودته من صلاة الجمعة: "إن كان لنا الحور الحسان في الجنة.. فماذا لكن أنتن!" وآخر يسأل: "لماذا أكثر أهل النار من النساء..فماذا يمكننا أن نجيب عليهما!" ولا عجب أن نرى أن نسبة كبيرة ممن هم في طور المراهقة عندما يذهبون إلى معرض الكتاب يشترون كتبا عن عذاب القبر، وأهوال يوم القيامة، وتدخل حياتهم في دوامة من الخوف، والتشدد دون اقتناع.. الخطاب الديني الذي يقول للمرأة افعلي كذا لإرضاء الزوج، وافعلي كذا لكي لا تغضب الملائكة، ولا يقول للزوج ماذا يفعل لكي يرضي زوجته.. هو خطاب يجعلنا نشعر بالخلل؟
في زيارتي لإحدى الأسر في رمضان رفضت ربة المنزل أن تضع قناة الأطفال المفضلة لدى أطفالي وأطفالها، وذلك لاحتواء الأناشيد على موسيقى.. بينما المنشد سامي يوسف استطاع من خلال الموسيقى، والكلمات القوية اختراق الجغرافيا، وقدم دعوته إلى الإسلام بصورة أخرى..فلم يخرج بصورة الرجل الملتحي والدشداشة القصيرة، بالعكس تماما خرج بصورة الشباب من أبناء جيله، واستطاع مخاطبتهم بطريقة دفعت الكثيرين إلى متابعته، وهنالك محاولات أخرى رائعة لاستغلال فكرة الفيديو كليب، والصورة، والانترنت لإيصال الأفكار بطريقة جديدة، وكذلك الأفلام والمسلسلات لا يمكننا تحريمها، وهي الوسيلة الأقرب لنقل أي صورة أو فكرة أمام الغزو الفكري الذي يحاصرنا بالصورة من كل مكان.. فقط يبقى أن تكون لدى كل واحد منا القدرة على الانتقاء لاختيار الأفضل مما لا يخدش الحياء..

تعليقات

  1. .
    .

    إن ـهم يسمع ـون صوت ـهم فقط

    يقرأون السطور كل ـها دون محاولة فهم الرسالة التي يقدم ـها المقال واضحة ..


    :/

    ردحذف
  2. هكذا تأخرنا نحن وتقدم الغرب

    ردحذف
  3. راقني المقال كثيرًا..كثيرًا!
    بكل بساطة دون أن يتحسس أحد أو ينتفض للذود عن ما يعتقد أنه الإسلام: هدفكم في الدعوة أو التذكير أو النصح نبيل جدًا، ولكن كي تحققوا هدفكم هذا اعرفوا من تخاطبون، وكيف تخاطبونهم! أسلوب الترهيب لا يفيد مع من يحتاج الترغيب.
    شكرًا يا هلال على نقل المقال، وشكرًا لهدى الجهوري على المقال الجميل.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة