ما زال يطل على ما يريد!
يقولُ لها، وهما ينظران الى وردةٍ
تجرحُ الحائطَ: اقتربَ الموتُ منِّي قليلاً
فقلتُ له: كان ليلي طويلاً
فلا تحجب الشمسَ عنّي!
وأهديتُهُ وردةً مثل تلك...
فأدَّى تحِّيَته العسكرية للغيبِ،
ثم استدارَ وقالَ:
اذا ما أردتك يوماً وجدُتك
فاذهبْ!
ذهبتُ...
انا قادمٌ من هناك
سمعتُ هسيسَ القيامةَِ، لكنني
لم أكن جاهزاً لطقوس التناسخ بعد،
فقد يُنشد الذئب أغنيتي شامخاً
وانا واقفٌ، قرب نفسي، على اربعٍ
هل يصدقني أحد إن صرختُ هناك:
أنا لا أنا
وأنا لا هُو؟
لم تلدني الذئابُ ولا الخيل...
اني خُلقتُ على صورةِ الله
ثمّ مُسختُ الى كائنٍ لُغويّ
وسمّيت آلهتي
واحداًواحداً،
هل يصدِّقني احد إن صرختُ هناك:
انا ابن أبي، وابن أمي... ونفسي
وقالت: أفي مثل هذا النهار الفتّي الوسيم
تفكِّر في تبِِعات القيامةِ؟
قال: اذن، حدِّثيني عن الزمن
الذهبي القديم
فهل كنتُ طفلاً كما تدّعي امهاتي
الكثيرات؟ هل كان وجهي دليل
الملائكةِ الطيّبين الى الله،
لا أتذكّر... لا أتذكّر أني فرحتُ
بغير النجاة من الموت!
من قال: حيث تكون الطفولةُ
تغتسل الأبدية في النهر... زرقاء؟
فلتأخذيني الى النهر/
قالت: سيأتي الى ليلك النهر
حين أضُمُّك
يأتي الى ليلك النهر/
اين أنا الآن؟ لو لم ارَ الشمسَ
شمسينِ بين يديكِ، لصدّقتُ
أنكِ احدى صفات الخيال المروَّض
لولا هبوبُ الفراشات من فجر غمّازتيك
لصدّقتُ أنّي اناديكِ باسمك
ليس المكان البعيد هو اللامكان
وانتِ تقولين:
"لا تسكن اسمك"
"لا تهجر اسمك"!
ها نحن نروي ونروي بسرديّة
لا غنائيةٍ سيرةَ الحالمين، ونسخرُ مما
يحلّ بنا حين نقرأ ابراجَنا،
بينما يتطفّلُ عابر دربٍ ويسأل:
اين انا؟ فنطيل التأمّل في شجر الجوْز
من حولنا، ونقول له:
ههنا. ههنا. ونعود الى فكرة الأبدية!
ليس المكان هو الفخ...
مقهى صغير على طرف الشارعِ
الشارعِ الواسع
الشارع المتسارع مثل القطارات
تنقل سكانها من مكان لآخر...
مقهى صغير على طرف الشارع
الشارع الواسع
الأسطوانة لا تتوقف- قالت له
قال: بعد دقائق نخرج من ركننا
الى الشارع الواسع المتسارع
مثل القطارات،
ثم يجيء غريبان، مثلي ومثلك،
قد يكملان الحديثَ عن الفنّ،
عن شهواتِ بيكاسو ودالي
وأوجاعِ فان غوغ والآخرين...
وعمّا سيبقى من الحب بعد الاجازة،
قد يسألان: أفي وُسْع ذاكرةٍ
ان تعيد الى جسدٍ شحنةَ الكهرباء؟
وهل نستطيع استعادةَ إحساسنا
بالرطوبة والملح في أوَّل البحر
بعد الرجوع من الصيف؟/
ليس المكان هو الفخفي وسعنا ان نقول:
لنا شارعٌ ههُنا
وبريدٌ
وبائعُ خبزٍ
ومغسلةٌ للثياب
وحانوتُ تبغٍ وخمر
وركنٌ صغير
ورائحةٌ تتذكّر/ ها نحنُ نشربُ قهوتَنا بهدوءِ أميرينِ
لا يملكان الطواويس، انتِ أميرةُ نفسِك
سلطانةُ البر والبحر، من أخمص القدمين
الى حيرةِ الريحِ في خصلة الشعر.
في ضوء يأسكِ من عودة الأمسِ
تستنطقين حياةً بديهيةً. وبلا حرسٍ
تحرسين ممالكَ سريَّةً. وأنا، في ضيافةِ هذا النهار، اميرٌ على حصَّتي
من رصيفِ الخريفِ. وأنسى مَن المُتّكلِّمُ
فينا لفرطِ التشابه بين الغيابِ وبين
الإيابِ اذا اجتمعا في نواحي الكمنجات
لا أتذكّر قلبي الا اذا شقَّهُ الحبُّ
نصفين، او جفَّ من عطش الحب،
او تركتني على ضفة النهر احدى صفاتك!
ضيفاً على لحظة عابرةْ
اتشبّثُ بالصحو،
لا امسَ حولي وحولك
لا ذاكرة،
فلتكن مَعْنوياتُنا عالية
عصافيرُ زرقاءُ، حمراءُ، صفراءُ، ترتشف
الماءَ من غيمةٍ تتباطأ حين تُطلُّ على
كتفيكِ. وهذا النهار شفيفٌ خفيفٌ
بهيٌّ شهيٌّ، رضيٌّ بزواره، انثوّيٌّ،
بريءٌ جريءٌ كزيتون عينيك. لا شيءَ
يبتعد اليوم ما دام هذا النهارُ
يرحِّب بي، ههنا يُولَدُ الحبُّ
والرغبةُ التوأمان، ونولدُ... ماذا
أريد من الأمس؟ ماذا أريد من
الغد؟ ما دام لي حاضرٌ يافعٌ أستطيع
زيارةَ نفسي، ذهاباً إياباً، كأني
كأني. وما دام لي حاضرٌ استطيعُ صناعةَ امسي كما أشتهي، لا كما كان. إني كأني. وما دام لي حاضرٌ استطيع اشتقاقَ غدي من
سماءٍ تحنُّ الى الأرض ما بين
حربٍ وحرب، وإني لأني!
تقول: كأنكَ تكتبُ شعراً
يقول: أُتابع إيقاعَ دورتي
الدمويةِ في لغة الشعراء. أنا،
مثلاً، لم أُحبَّ فتاةً معينةً
عندما قلتُ اني احبُّ فتاةً، ولكنني قد تخيَّلتُها: ذاتَ عينين لوزيتين،
وشَعرٍ كنهر السواد يسيل على الكتفين، ورُمَّانتين على طبق مرمريّ.
تخيلتها لا لشيء، ولكن لأُسمعها
شعرَ بابلو نيرودا، كأني أنا هو،
فالشعر كالوهم/
ليس المكان هو الفخّ
لم أنتظرْكِ لتنتظريني، فمثلُك منْ
يأمر الحُلْم بالانتظارِ الطويلِ على
ركبتيها. خذيني الى اللامكان المُعَدِّ
لأمثالنا الضالعين بتأويل ذاكرة الغيمبين الربيع وبين الخريف، وأمّا
الربيعُ، فما يكتب الشعراء اذا نجحوا
في التقاط المكان السريع بصُنّارة
الكلمات. وأما الخريف، فما نحن فيه من الاهتداء برائحة الشجر العاطفيّ وبحث الغريبة في كلمات الغريب عن اسم الحنين... وعَن شَبهٍ غائمٍ في ثنائية الشعر والنثر. لا النثرُ نثرٌ ولا الشعرُ شعرٌ اذا ما همستِ: احبكَ! او قالت امرأةٌ في القطار
لشخصٍ غريبٍ، أعنِّي على
نحلةٍ بين نهديّ... او قال شخصٌ كسولٌ
لإسكندر الأمبراطور: لا تحجب
الشمسَ عني. ولكنني اذ أُغنِّي،
أُغنّي لكي أُُغري بالموت بالموت/
ليس المكانُ هو الفخ
ما دمتِ تبتسمين ولا تأبهين
بطول الطريق... خذيني كما تشتهين
يداً بيدٍ، او صدىً للصدى، او سدى.
لا أريدُ لهذي القصيدة ان تنتهي ابداً
لا أريد لها هدفاً واضحاً
لا أريد لها ان تكون خريطةَ منفى
ولا بلداً
لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي
بالختام السعيد، ولا بالردى
أريدُ لها ان تكون كما تشتهي ان
تكون:
قصيدةَ غيري. قصيدةَ ضدي. قصيدةَ
ندِّي...
أريد لها ان تكونَ صلاةَ أخي وعدوّي.
كأن المخاطبَ فيها أنا الغائبُ المتكلم فيها.
كأنَّ الصدى جسدي. وكأني أنا
أنتِ، او غيرُنا. وكأني أنا آخري!
كي أوسِّعَ هذا المدى
كان لا بُدَّ لي:- من سنونوة ثانية - وخروج على القافية- وانتباه الى سعة الهاويةْ
لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي
لا أريد لهذا النهار الخريفي ان ينتهي
دون ان نتأكَّد من صحة الأبدية.
في وسعنا أن نحبَّ،
وفي وسعنا أن نتخيّل انّا نحبُّ
لكي نُرجئَ الانتحار، اذا كان لا بدَّ منه،
الى موعد آخر...
لن نموتَ هنا الآن، في مثلهذا النهار الزفافيّ، فامتلئي
بيقين الظهيرة، وامتلئي واملئيني
بنور البصيرة/
ينبئني هذا النهارُ الخريفيُّ
أنّا سنمشي على طرق لم يطأها
غريبان قبلي وقبلَك الا ليحترقا
في البخور الالهي.
ينبئني أننا سوف نسمعُ طيراً تغني
على قدر حاجتنا للغناء... خفيفاً
خفيَّ التباريح، لا رعوياً ولا وطنياً
فلا نتذكّر شيئاً فقدناه/
ان الزمان هو الفخ
قالت: الى أين تأخذني؟
قال: لو كنتِ اصغرَ من رحلتي
هذه، لأكتفيتُُ بتحوير آخر فصل
من المشهد الهوميري... وقلتُ:
سريرُك سرّي وسرُّك، ماضيك يأتي غداً
على نجمة لا تصيب الندى بأذى،
أنام وتستيقظين فلا انت مُلتفَّةٌ
بذراعي، ولا أنا زُنّار خصرك،
لن تعرفيني
لأن الزمان يُشيخ الصدى
وما زلتُ أمشي... وأمشي
وما زلتِ تنتظرين بريدَ المدى
أنا هو، لا تُغلقي بابَ بيتك
ولا ترجعيني الى البحر، يا امرأتي، زبدا
انا هُوَ، منْ كان عبداً
لمسقط رأسك... او سيّدا
انا هو بين يديك كما خلَقتْني
يداكِ، ولم اتزوَّج سواكِ
ولم أُشفَ منك، ومن نُدبتي ابداً
وقد راودتني آلهاتُ كل البحار سدى
أنا هو، من تفرطين له الوقت
في كُرة الصوف،
ضلَّ الطريقَ الى البيت... ثم اهتدى
سريرُك، ذاك المخبّأُ في جذع زيتونة
هو سرِّي وسرُّك...
قالت له: قد تزوَّجَني يا غريبُ
غريبٌ سواك
فلا جذع زيتونة ههنا
او سرير،لأن الزمان هو الفخ/
ينبئُني ضوءُ هذا النهار الخريفيّ
أني رأيتكِ من قبل، تمشين حافيةَ
القدمين على لغتي، قلت: سيري ببطءٍ على العشب، سيري ببطءٍ
لكي يتنفَّسَ منك ويخضرّ. والوقت
منشغلٌ عنك...
سيري ببطءٍ لأُمسك
حلمي بكلتا يديّ. رأيتك من قبلُ حنطيّةً كأغاني الحصاد وقد دلّكتها
السنابل، سمراءَ من سهر الليالي،
بيضاءَ من فرط ما ضحك الماءُ حينا
قتربتِ من النبع. سيري ببطءٍ،
فأنّى مشيتِ ترعرعت الذكرياتُ حقولاًمن الهندباء، رأيتك من قبلُ في الزمن الرعويّ
على قدر ليل الغريب
تنامُ الغريبةُ/
فاحتجبي، واظهري، والعبي، واكسري
قدري بيديك الحريريتين، ولا تخبريني
الى أين تمضين بي في دهاليز سرِّك،لا تخبريني الى أين تمضين بعدي
الى أين أذهبُ بعدَك. لا بعد
بعدك. ولنعتنِ الآن بالوردة الليلكية
ولتُكمل الأبديةُ أشغالَنا دوننا،
إن أطلنا الوقوف على النهر اولم نُطل. سوف نحيا بقية هذاالنهار. سنحيا ونحيا. وفي الليلِ،
ان هبط الليل، حين تنامين فيّ كروحي، سأصحو بطيئاً على وَقْع
حلم قديم، سأصحو واكتب مرثيتي.
هادئاَ هادئاً. وأرى كيف عشتُ
طويلاً على الجسر قرب القيامة، وحدي
وحراً. فإن أعجبتْني مرثيتي دون
وزن وقافية نمت فيها ومتُّ
والا تقمصت شخصيةَ الغجريّ
المهاجر:
جيتارتي فرسي
في الطريق الذي لا يؤدي
الى أيّ أندلسِ
سوف أرضى بحظّ الطيورِ وحريةِ
الريح. قلبي الجريح هو الكون.
والكون قلبي الفسيح. تعالي معي
لنزورَ الحياةَ، ونذهبَ حيث أقمنا خياماً من السّرو والخيزران على
ساحل الأبدية. ان الحياة هي اسم
كبير لنصر صغير على موتنا. والحياة
هي اسمك يطفو هلالاً من اللازورد
على العدم الأبيض، استيقظي وانهضي،
لن نموتَ هنا الآن، فالموت حادثةٌ وقعت في بداية هذي القصيدة، حيث التقيتُ بموت صغير وأهديته وردة،
فانحنى باحترام وقال: اذا ما أردتك يوماً وجدتك/
فلنتدرب على حُبِّ أشياءٍ ليستلنا، ولنا... لو نظرنا اليها معاً من علٍ
كسقوط الثلوج على جبلٍ
سيغنّي لك الغجري، كما لم يغنِّ:
أقولُ لها
لن أُبدِّلَ أوتارَ جيتارتي
لن أبدّلها
لن أحمّلها فوق طاقتها
لن أحمّلها
لن أقولَ لها غير ما تشتهي ان أقول لها
حملتني لأحملها
لن أبدِّل أوتارَها
لن أبدّلَها
لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي
لا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي، ولكن الشعر انتهى برحيلك يا درويش..
قبل عام مضى عندما وصلني الخبر المأساوي وأنا عائد من النادي الثقافي إلى الموالح، أصابتني الغصة، وكأن هذا الحدث لن يأتي، ولن تصيب محمود درويش حادثة الموت كالبقية من البشر.. خلت لحظتها أن الموت لنا نحن فقط، أما الشموس فلا تموت! ولكنه الحق الذي لا فرار منه مهما اختبأنا وفررنا..
لم أنم ليلتها جيدا، وكنت أبكي داخلي، وأكاد لا أصدق أن هذا العظيم قد رحل عن دنيانا.. تخيلت لحظتها أننا فقدنا الأمل، وبأن الحياة لا معنى لها دون أمل حقيقي، برغم أن محمود درويش كان يكثر من ذكر الموت في قصائده، وكان السواد الساخر يطغى على كثير من دواوينه، ولكنني كنت أراه آخر من تبقى من سلالة الأمل، التي يمكن لهذه الأمة أن تتشبث بهم كي تعيش..
لكنه رحل الآن،
وها نحن نموت كل يوم
ولا قصيدة تسند الجرح العميق فينا
وها قد مر عام كامل، وها هي الذكرى الأولى لرحيل آخر المبدعين العظام، على الأقل بالنسبة لي، وسأتذكر كيف أنه أوقد في داخلي شعلة من ضياء كلما قرأت له مقطعا شعريا أو نثريا....
إذن هو الموت المقدر يا درويش، هو الذي هزمته الفنون جميعها، وفاز هو، إذ أنك لم تخيب ظن العدم، لكنك أعطيتنا أهم ما في الحياة: الأمل!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما بعد،،، فزمن الشعر انتهى الآن! ويا أيها الشعراء عودوا إلى خيامكم، وأعدوا عدة رحلة شاقة تبدؤون من خلالها البحث عن شاعر جديد يحيي لكم ما مات!كم من الوقت ستحتاجون الآن كي تعاودوا النهوض والصعود إلى علٍ، إلى حيث الشمس تشرق والعصافير تغرد بكلماتكم، وصوتكم يحفر موقعه بكل أصالة في قلوب الناس؟ألف عام تكفي؟!ربما، وربما لا، فالأمر هذه المرة أصعب مما كان، أصعب من رحلة الذين عاشوا على فلة التفاؤل ولم يجدوا شيئا يقولونه بعد كل الهزائم التي توالت سوى قصيدة حب أخيرة وقلب يتسارع في خطوة إلى النهاية! كانت قلوبا تبحث لنا عن خلود أبدي من خلال القصيدة، وكنا لا نعي ذلك مطلقا، لا نعي إلا التجهم في وجوههم واجتراح كلام سيء فيهم، كأنهم ليسوا منا، وكأننا كنا نحن الصالحون فقط دون سوانا!!من نحن كي نقول ذلك؟ من ونحن لا نملك إلا الضحك والسقوط في بئر الحلم بأننا الأفضل! لم نكن شيئا والآن نحن لا شيء، فمدننا دون شاعر لا قيمة لها، حضارتنا التي نفاخر العالم بأنها الحضارة ولا حضارة دونها اليوم لا شيء، لا شيء، فشاعركم أيها العرب مات، مات وفي قلبه غصص لا تعد ولا تحصى، غصص الهزائم التي عايشها مذ ستين عاما وما زالت تتواصل إلى اليوم! وهو كان لا يزال متفائلا بقصائده التي منحتنا الحياة ومنحته التعب والعذاب!وفي المقابل، يراهن بعضنا على سوق عكاظ الجديد، سوق الاتصالات القبلية التي ستحيي القصيدة الجديدة، وينادي منادٍ يقول: من يفوز؟ من يفوز بالبردة والخاتم والمليون؟ باب التصويت متاح حتى ختام الحلقة، باب الشراء متوافر حتى آخر دقيقة، والآن سنعلن عن أسماء أصحاب الألقاب: شاعر الرومانسية، الواعد، الحب، المرأة، السلام، القضية، والقضية باتت لعبة رسائل هاتفية تغوص في أعماق الاضمحلال!هذا هو السوق الجديد، سوق الشعر الجديد، وقريبا تعود القصيدة فوق ظهر الحصان تعدو لتصل إلى الربوة تبحث عن شاعرها الأخير ولا تجد سوى الخراب، فتسقط من جديد، تسقط في الوحل هذه المرة، ولا تسمع مناديا يطلبها لأن الشعر مات ومات أصحابه اليوم!والآن: بين المتنبي أحمد بن الحسين، ومحمود درويش قرابة ألف عام كانت بلا شاعر حقيقي، بلا مثقف قادر على أن يعطي الثقافة معنى حضاريا أكبر مما هو عليه، ليس مؤدلجا ولا يبحث سوى عن القصيدة فحسب، تلك التي تغني اللغة وتحييها، فهل سننتظر ألف عام قادمة كي يأتينا من يكون بقامة اللذين رحلا وتركا الناس ساهرة باحثة عن الغريب وعن سلالة الشعر الأخيرة!
(مقال من علبة المسامير كان نشر في جريدة الزمن قبل عام من الآن، أعيد نشره هنا مجددا)
تعليقات
إرسال تعليق