عن القراءة والكتابة: متعة الحياة

لا أدري ما حل بي منذ ليلة البارحة التي كتبت فيها ما في داخلي..
استيقظت صباح اليوم الخميس وأنا في نشاط غير عادي.. طبعا أيقضني العامل الهندي الذي يريد أن يريني عمله الجيد، ولكنني على غير العادة لم أكن متذمرا، فالنوم صباح الخميس من أقدس الأمور التي أفعلها بصفة تكاد تكون لازمة..
وبعدما ذهبت لأرى نتاج عمله، توجهت إلى مقهى الكون وطلبت شايا ثم قررت أن أكتب قصة! أعرف أن البعض يقول كيف يقرر الكتابة، والكتابة تأتي بإلهام؟ ولكنهم دائما يكتبون عندما يقررون ثم يقولون "الكتابة بإلهام"..
وكنت على غير العادة أيضا متفائلا، ومحبا للحياة.. ووجدت أن أكتب قصة تسخر أيضا من الكتاب، ثم توقفت في منتصفها منتشيا، وقررت أن أعاود تتمتها في وقت لاحق، متذكرا في الحين إياه أن في الحياة ما يستحق الاستمتاع به.. وليس أمتع من قراءة كتاب بعد قرار بالتوقف عن إتمام قصة كان بالإمكان إتمامها، ولكنني كنت في داخلي أريد أن أبقى منتشيا بلحظتي تلك، والانتشاء هنا تولده الكتابة على ما يبدو، وربما تفاصيل القصة التي أكتبها..
الجميل أن القراءة أيضا كانت انتشاءة أخرى.. قراءة كتاب نحبه أمر جميل جدا، والولع بكاتب يولد في النفس انتشاءة أكبر من فعل قصة قصيرة أو فعل الكتابة ذاته..
قرأت مقطتفات من رواية حارس التبغ لعلي بدر، هذا الروائي المجنون بالحياة وبالحكايات وبالسخرية، والذي كلما قرأت له تذكرت أثر ميلان كونديرا الدائم في ذاتي كلما قرأت له رواية جميلة من رواياته.. الفارق بين الاثنين أن كونديرا مولع بطرح التساؤلات والأفكار وغير معني كثيرا بالحكايات وتوالدها، برغم أن قصصه ورواياته تأتي في إطار مميز من الحكاية، فيما علي بدر تتضخم الحكايات لديه بشكل جميل، فيما يطرح أفكاره الفلسفية وغير الفلسفية دون إثارة التساؤلات، فقط يرشدك وأنت تقرأه إلى الأفكار بطريقة جميلة..
ما يميز علي بدر، في رواياته التي قرأتها له، هو حضور الكاتب ذاته، كونه بطلا من أبطال العمل.. ليس بالتحديد علي بدر ذاته، وإنما السارد بصيغة الأنا هو كاتب: صحفي، روائي مغمور، باحث عن الحقائق، كاتب سير غيرية... وكل هؤلاء الأبطال يتقاطعون في السخرية، وفي التخفف من اللغة العالية، وفي الشحنة الحكائية التي ينطلق إليها، وفي الولع بشيء اسمه المرأة!
من سيقرأ بابا سارتر والركض وراء الذئاب وصخب ونساء وكاتب مغمور وحارس التبغ سيجد هذه التفصيلة المهمة في تشكل النص لدى علي بدر..
لكنه بكل تأكيد سيستمتع بكل عمل على حدة، وسيعرف أن لكل عمل فكرته الأساسية التي تنطلق منها الحكايات المتعددة، والشخوص الجميلة، فمثلا حارس التبغ يتحدث عن الازدواجية في الشخصية العراقية في زمن الأزمات، من خلال البحث عن سيرة الموسيقي كمال مدحت الذي هو يوسف صالح اليهودي المهاجر إلى إسرائيل الفار منها باسم آخر جعله من التبعية الإيرانية، إلى اسمه الذي توفي به وهو كمال مدحت، الموسيقي الذي قتل في 2006.. ولكل شخصية تاريخها المزيف أو الحقيقي، والشخصيات التي تبحث عنه هي أيضا تعمل بالفكرة إياها: فكرة التخفي وراء شخصيات أخرى..
هذه هي فكرة النص الأساسية، ومنها تنطلق حيوات متعددة، وحكايات جميلة، وشخوص تتشكل من لحم ودم في مخيلتنا، ونعتقد أنها فعلا حقيقية..
هذه هي متعة قراءة عمل من أعمال علي بدر، أحد أهم الروائيين العرب في السنوات الحالية والمقبلة، وروايته الأخيرة "حارس التبغ" دخلت العام الماضي القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، والتي فازت بها رواية عزازيل في النهاية...
وبقدر ما أنا الآن قد خرجت عن إطار الفكرة التي بدأتها، لكنني أقول بأن الكتابة والقراءة عملان يجلبان السعادة لأصحابهما، فإن كانوا تعساء في حياتهم الحقيقية، فعليهم أن يقرأوا كي يدخلوا عوالم أخرى تشفيهم من تلك التعاسة، أو أن يدخلوا عوالم كتابة الحكايات والقصص.. وهذا أيضا أمر جميل ومبهج..

تعليقات

المشاركات الشائعة