الشرطة في خدمة المواطن

تخيلوا أن يقوم أحدهم صباحا فلا يجد سيارته الجميلة والجديدة والغالية الثمن في مكانها، في مواقف الفندق الذي تنزل فيه، وتكتشف بعد أن تغسل وجهك أنك تعرضت للسرقة في مكان عام ومحاط بالحماية عن طريق أجهزة الإنذار المبكرة والكاميرات العاملة في كل وقت و"السكيوروتي" كما يقولون!
لكن سيارتك التي استدنت من أجلها المال الكثير قد سرقت، وآن لك أن تبحث عنها..
ستذهب إلى الشرطة، وعوضا عن الركض وراء قضيتك المهمة ستجدهم متباطئين متثائبين وكأنه عمل بالإكراه! وعليك أن تنتظر حتى يفرغ إليك أحدهم فيسجل محضر السرقة:
ما الذي سرق؟
سيارتي
ما نوعها؟
لكزس
أي موديل؟
2005
هذه ملكية السيارة؟ (رافعا الملكية في الهواء)
هي كذلك
ثم يصمت ويبدأ في كتابة المحضر:
حدث في الساعة (الساعة كم وقعت السرقة؟ لا أدري، يمكن الفجر أو في أول الصباح، غالبا أثناء ما كنت نائما) حدث في الساعة (وبعد تفكير) الثالثة وعشر دقائق، قيام أحدهم بسرقة سيارة المدعو (اسمك؟ فلان بن فلان بن فلان الفلاني) يحمل رقم بطاقة (.......) ويعمل في (.......) وذلك من أمام..... والسيارة من نوع نيسان صالون لكزس (لا لو سمحت السيارة من نوع الفورويل ولكزس بس) وعلى هذا تم المحضر في وقته وتاريخه.......
وبعد ذلك سيذهب معك شرطيان آخران إلى موقع الحدث الذي شهد عملية السرقة، وستفاجأ بسؤالهما عن سيارتك (أين هي السيارة؟ السيارة مسروقة! طيب أين هي؟ قلت لكم: السيارة مسروقة، مسروقة، مسرووووقة) وسينظران إلى بعضهما البعض ثم سيقولان: تقصد أنها سرقت بالكامل؟ نعم سرقت بالكامل... وسيتصلان بالمركز ليتأكدا من صحة المعلومة، وعندما يفعلان ذلك لا يجدان بدا من طرح أسئلة يعبئان بها الورق الذي بأيديهما: طيب كم طابقا هذا البناء؟ (تقفون ثلاثتكم أمام البناء الكبير الذي وقعت السرقة من مواقفه) حتما سيصيبك الغثيان والصداع، ولن تعرف ما تقول لهما، وعندما ينتهيان ستعرف أن سرقة سيارتك أخف بلاء مما تسمع وترى، وعليك فعليا أن لا تلوم هؤلاء المساكين الذين يعانون ضغوط الحياة كالبقية وعليهم عبء يوازي بلادا بأكملها، إذ ليس من السهل تحمل مسؤولية أمن أي بلد من البلاد ببساطة كما قد يتوقع أحدهم
جزء من هذه الحبكة حقيقي، وبرغم أن جهاز الشرطة في البلاد يعد من أفضل الأجهزة الأمنية في المنطقة، ومن أفضل الأجهزة الحكومية التي تقدم خدمات للمواطن، إن لم يكن أفضلها بحسب من نحسه في إدارات المرور والهجرة والجوازات والأحوال المدنية، حيث إنجاز المعاملات يمضي بوتيرة مميزة ومريحة وضمن جو مفعم بالود والسلاسة، ولا أحد يجروء على الزعم بعكس ذلك
ولكن أمن الناس يبدو في مخيلتي أهم بكثير من الإجراءات السلسة والمعاملات الراقية وفق أفضل النظم، وبرغم أن السلطنة تحتل مكانا مميزا في خريطة الأمن على مستوى العالم، لكن ذلك لا يعني أن نتراخى، فالمجتمع قد تغير، والعالم من حولنا صدر إلينا مفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل، ولذا فعلينا أن نتوقف عن مقولات المجتمع الطيب، والإنسان العماني الذي يملك السماحة في وجهه والتصرفات البريئة والعفوية، فهذا الأمر برغم أنه حقيقي لكنه لم يعد مناسبا الآن في ظل وجود ثقافة عالمية تتسم بأنها لم تضع حدا فاصلا بين الثقافات، كما أن المجتمع لدينا ما عاد هو المجتمع الريفي الذي يتعامل مع الأمور بالفطرة، فدخلت مفاهيم جديدة تتعارض كثير منها مع تلك الفطرة بشكل سلبي يؤدي أحيانا إلى إحداث مثل هذا الشرخ الواضح في مفاهيم البراءة والسماحة
فحادث كالذي حدث لعدد من سيارات المواطنين في منطقة تعد من المناطق ذات السمة الراقية: الغبرة والعذيبة، يعد حدثا استثنائيا ويستحق النقاش: الأسباب والظروف والملابسات، لذا فلملف القضية لا ينبغي إغلاقه بمجرد إلقاء القبض على الجناة
كما أن حادثا آخر هو الكشف عن عصابة مزورة للبطاقات البنكية لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه حدث في صالح الشرطة، من حيث سرعتها في القبض على مثل هذه الشبكة الإجرامية ولو بطريق المصادفة، فالمصادفات لا تأتي دائما كما حدث عندما وجدت السيارة المسروقة وقد وضعت عليها أرقام دولة من دول الخليج بغية تهريبها مما سهل الكشف عن واحدة من شبكة لصوص السيارات
كل هذه الأحداث ليست عرضية، وتحتاج إلى موقف حازم ليس في التعاطي القانوني والجزائي، ولكن في وضع تصور أمني للبلد يحمي المواطنين من مثل هذه الأحداث
وأتصور أن وجود شبكة أمنية مدعمة بالوسائل الحديثة كالكاميرات المرتبطة ببعضها البعض في أهم المناطق الارتكازية بمسقط كالمعبيلة والموالح والعذيبة والسيب والغبرة والصاروج والقرم والبستان ومطرح، التي تبث صورا حية لما يحدث من اختناقات المرور وما قد يقوم به العاطلون والفاسدون في المجتمع في أثناء نوم الناس، قد يساهم بشكل كبير في حلحلة وضع يكاد يصبح مأساويا مع كثرة الشكوى من سرقات المنازل التي تقيد ضد مجهول غالب الأمر، فيما يعود صاحب السكن وقد على وجهه الغم والكمد
كما أن تطوير العاملين في جهاز الشرطة، من حيث تعويدهم على سرعة الإجراء وإعطاء جنود الشرطة قدرة على اتخاذ القرار في حدود ما يكفل الأمن أعتقد أنه أمر سيساعد على تقليص مساحات الجريمة المنظمة كالتي تحدث حاليا (مع أنها ليست بتلك القوة، ولكن الخوف أن يأتي وقت تصبح فيه إشكالية نعجز عن حلها)
هذا الأمر الأخير لا يعني أن يعود جنود الشرطة كالبعبع يتصرفون وفق هواهم كما كانوا في فترة من الفترات، وكأن البلاد لا قانون فيها إلا قانون ذلك الشرطي، ولكن الأمر فيه جزء كبير من إعادة قيمة الشرطي في المجتمع
أيضا فإن تحسين أوضاع هؤلاء الشرطة أمر مهم.. إنني لأذكر أن الجندي العادي فيهم كان يحصل على امتيازات كثيرة، كالبيت، أو المواصلات الخاصة به وبأسرته، واليوم في وقت الغلاء والفاقة لا يحصل الجندي الواحد منهم لا على رتبة ولا على أي امتياز، فيما راتبه قد لا يصل إلى مبلغ الثلاثمائة ريال، وعليه أن يفكر جديا قبل أن يتزوج، أو أن يكون أسرة، وعليه أن يتحمل العيش في مناطق بعيدة عن مكان إقامته الدائم، مثله مثل المدرس الذي يعيش حياة تعيسة قبل أن تفكر مؤسسته في رحمته قليلا...
المقال التالي للصحفي والكاتب محمد بن علي البلوشي ربما يسرد بعض النقاط المتقاطعة أيضا مع هذا الحديث:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراقبة من بعيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأسبوع المنصرم لم أتمكن من تنظيف سيارتي بسبب صفة سيئة وهي الكسل وضيق الوقت مما حدا بشرطي المرور أن يرمقني بنظرات من سيارة الشرطة عندما أوقفتنا إشارة المرور صدفة جنبا إلى جنب في كلا المسارين.. في الوقت الذي كان الشرطي يرمقني بتلك النظرات التي ربما ستكبدني "غرامة أو ضريبة أو مخالفة" وهي كثيرا ما أحاول تجنبها، كان الازدحام على أشده والاختناق قد بلغ الزبى لكن ذلك لم يحرك شرطي المرور للتحرك فورا لفك الاختناق المروري أو طلب دعم آخر من مركز الشرطة الذي يقع الازدحام في نطاق عمله الجغرافي.. فظل تفكيره -كما تصورت- حائرا بين إيقافي أو أن يعتبر نظرته إشارة مهذبة لتنظيف المركبة. واستمر الاختناق إلى أن حل نفسه تلقائيا بعد أن خسرنا بعضا من الوقت في الازدحام.الازدحام والحوادث باتت ظاهرة لدينا إن لم تكن أزمة وفي الوقت الذي تقوم فيه الجهات المختصة بشن حرب ضروس على الازدحام من خلال عمليات إطفاء في بعض الأماكن كإنشاء طرق فرعية أو طرق جديدة يصبح الازدحام حاضرا بقوة دون رادع له وهي أزمة عالمية لايمكن تفاديها إلا من خلال وجود شرطة المرور.معظلتنا في الإشارات وفي أداء الشرطة، فإشارات المرور تنظم المرور لكن ضغط المرور عليها لا يعطيها كل الحلول لفك الاختناقات المرورية ومن ثم يأتي دور شرطة المرور علاج ذلك من خلال مرور السيارات في المسارات الرئيسية.
الحادث الذي وقع على طريق الباطنة مما أدى إلى توقف الحركة المرورية لأكثر من 6 ساعات تقريبا لا يمكن تخيله لاسيما وأنه وقع في دائرة خارج العاصمة مسقط ومن ثم فالاحتمالات لابد أن تكون أقل لاختناق مروري يمتد لساعات مع الاعتراف أن هذا الطريق بات يمثل طريقا داخليا في عدد من البلدان بسبب اقتراب السرعة المحددة أحيانا كما في الطرق الداخلية لكن الحديث عن مدى قدرة شرطة المرور على التعامل مع هذا الحدث وحالة الارتباك التي أصابت الطريق كانت جزءا من الحدث نفسه فلا خطة طارئة لفك الطريق اتخذت مباشرة بل بتكير لتسيير الحركة المرورية وبالرغم من وجود الطرق الفرعية وهي طرق الخدمات إلا أن الموقف يدل على وجود بطء في التعامل مع الحوادث والازدحامات وهي بحاجة إلى تجديد في التعامل معها.أدلل على ذلك بحالة الازدحام التي تحدث عند دوار بيت البركة، حيث يمتد طابور السيارات إلى جسر الخوض عندها يمكن أن تزحف السيارة كالسلحفاة وهناك سيحالفك الحظ لكسب الوقت إن كانت شرطة المرور موجودة أو لا، فإذا لم تكن موجودة فربما ستقضي نصف ساعة في الطريق حتى تجتاز الدوار، في مثل هذه الحالات لا مجال حتى للحالات الطارئة المرور إلا نادرا وهو ما يحدث كذلك في الطرق الرئيسية في مسقط.سندلل على دور شرطة المرور في هذا المجال بما يحدث كذلك عند دوار ولاية بركاء، فالازدحام يشكل سلسلة حديدية من السيارات ربما تمتد لكيلومتر لاسيما مع نهاية الأسبوع أو بدايته عندها ربما تجد شرطة المرور موجودة أو لا تجدها. عودا على بدء فإن من المهم التعامل مع بعض الأزمات المرورية بطريقة مخطط لها وليس بحل وقتي للحظة ذاتها والتفكير فيه وهذا ما يمكن قراءته في حادث المرور الأسبوع الماضي، تُرى لو كان هناك إنسان على شفا الموت أو أي مرض آخر ومتجه إلى أقرب مشفى ماذا سيكون حل به؟..فهناك أولويات يا شرطة المرور.
محمد بن علي البلوشي

تعليقات

المشاركات الشائعة