شرفة كتابة آيلة للسقوط المدوي!

في لحظة ما فكرت: ماذا سأكتب؟ لكن جرس الهاتف شتت هذه الفكرة، وبعد أن أنهيت المكالمة التي سأدفع نظيرها مبلغا من المال اضطررت لدفعه لأكون إنسانا اجتماعيا، يساعد من هم حوله، عدت للفكرة الأولى: عماذا يمكن أن تكون شرفة السماء؟ الصوت الآخر الذي كان في داخلي قال: تحدث عن محمود درويش الذي يصادف التاسع من أغسطس ذكرى رحيله الأولى، فهو الشاعر الذي تحبه يا هلال، الشاعر الذي لا ترى من بعده شاعرا يستحق أن يطلق عليه لقب شاعر، خاصة في زمن قصيدة النثر، أو التي كتب عنها أحمد درويش (الذي بحد ذاته حكاية) عميد كلية الآداب التي درست فيها في إحدى كتاباته بأنها "عصيدة" وليست "قصيدة".. ألا يستحق منك محمود درويش أن تكتب من أجله ولو مقالة صغيرة؟ فعلا محمود درويش هو الشاعر الذي أثر فيّ في مرحلة مهمة، ويستحق ولو شرفة صغيرة في السماء وذلك احتفاء بذكراه الأولى، لا ملفا كبيرا ربما أحدهم فكر فيه قبلي! لكنني لا أستطيع: أنا أعاني الخواء هذه الأيام ولا أستطيع الكتابة، بالأحرى منذ زمن لم أكتب لا قصة ولا مسرحية.. لا تنظر إليّ هكذا يا صوتي الداخلي، واعلم أن المسرحية التي كتبتها قبل مدة ما زالت في أطوارها الأولى حيث الكتابة الثانية والتي هي أصعب بكثير من الكتابة الأولى، وحتى مشاريع القصص التي لم تكتمل تظل مشاريع لا أكثر ولا أقل، ولأكن أكثر صدقا معك: أنا ساخط على نفسي ولا أرغب أن أكتب، ولو مقالة صغيرة! فكيف سأكتب عمن أحببت؟ ستكون كتابة انفعالية وعاطفية وبلا معنى، ولذا أرجوك أيها الصوت كف عن قرع هذا الجرس في مؤخرة رأسي! لكن الصوت عاد وقال: ما دمت لا تستطيع الكتابة عن درويش شاعرك الأثير الذي تظن أن ألف عام لن تكون هذه المرة كافية لتنتج الأمة صوتا فريدا مثله، فلماذا لا تكتب عن المكالمة التي وردتك قبل قليل، ولتحكي مأساة تلك المرأة التي يأكل عم أبنائها ضمانهم الاجتماعي وعليك أن تدفع عشرة ريالات أو عشرين كي تخلصك من الحرج الاجتماعي الذي وقعت فيه أمام صديق! أيضا هذه الفكرة الاجتماعية لا تصلح لعمود سماوي يكتب لزمرة مثقفين، إذ ما دخل المثقفين في جوع امرأة مسكينة؟ ما دخلهم في أن يجوع العالم أو يعرى؟ في الأنفلونزا والخنازير، والعواصف الترابية، وأزمة المال، والجمعيات المنهارة أو المحافظ المنهوبة؟ هم مساكين يا عزيزي، لا يجدون الوقت لأن يشعروا بمثل هذه الأمور، ثم من قال لك بأن هؤلاء المثقفين والمبدعين أناس يعيشون في شرفة سماوية؟ إنهم بشر أيضا، وبعضهم يذهب راتبه للبنك، ويقتات البار على ما تبقى من ذلك (ليسوا جميعا بل قليل منهم الذين يذهبون، قليل جدا كما أتصور) أيضا هم مشغولون بنتاج الحداثة، أو الموروث أو ثورة الأنفوميديا، وما ستنتجه العولمة من أضرار جانبية على الثقافات المحلية! أعرف أننا نعيش عصور ما بعد الحداثة بمائة عام ونيف، ولكن كما تعلم: خدمات الاتصالات والإنترنت ما تزال في بداية عهدها ولا يمكن أن يصلنا كل شيء بالسرعة التي تصل بها طائرة الكونكورد من لندن إلى نيويورك والتي أوقفتها الخطوط البريطانية لأنهم اكتشفوا أنها مكلفة وبأنها تضر بالبيئة، وعموما ليس مجديا أن تصل إلى نيويورك قبل ساعة من الموعد المقرر أصلا للإقلاع من مطار هيثرو بلندن إذن اكتب عن فوز محمود الرحبي وخميس قلم وماذا سأكتب أكثر مما كتبت في مدونتي؟ وبأني منذ زمن طويل أطالب المؤسسات الرسمية بتكريم يليق بمثل هؤلاء الذين يحققون إنجازات إبداعية تظل مع الزمن! وقد قلت: ليست سيارة ولا عشرة آلاف ريال، ولكن على الأقل كلمة "شكرا" مخطوطة في رسالة معطرة بحبر رسمي، مع وجبة خفيفة سيكون لها أثرها الكبير والبعيد المدى، فهذا الكاتب يعتمد على خيال وليس على ساق قد تكسر أو تهرم! ثم أرجوك لا تدخلني في أمور أدرك تماما أن هناك من يريد أن يتلقفها لكي يزعم بأني على الدوام معاكس للتيار وليس لدي شيء سوى الانتقاد والذم! .... ولا تقل لي يا صوتي الداخلي أن أكتب عن حالة النقد أيضا، فلا حالة أصلا يمكن الكتابة عنها، فكيف تريدني أن أوصّف ما ليس موجودا؟ ها أنت رأيت أن مزاجي عكر، وبأني لا أستطيع الكتابة، وربما لأن حالة اكتئاب حادة تصيبني في هذا الشهر، حيث بدايته حرب ودمار وذكريات سيئة، وأوسطه وآخره رحيل إبداع لا يتكرر ولا يمكن له أن يحدث مجددا، فاتركني لكآبتي وحزني الداخلي حتى حين!

تعليقات

المشاركات الشائعة