رصاصة الرحمة في جسد الوطن

سأفترض مع كثيرين يفترضون مثلي كالعادة، بأن قرار مجلس الوزراء الموقر بشأن قائمة السلع التي لا يجوز رفع سعرها إلا بعد موافقة من مجلس الوزراء ذاته هو قرار صائب، ويصب في مصلحة الوطن والمواطن والمستهلك عموما، لاسيما الذي لا يتجاوز راتبه الخمسمائة ريال، علما بأن هناك من لا يصل راتبه هذا المبلغ أصلا
هذا الإفتراض يعني أن سلعا أخرى كالملابس مثلا، حقائب المدارس، الأقلام، الدفاتر، الأسماك، اللحوم، الكهرباء، الماء، الثلاجات، المكيفات، الأفران، الغسالات، وحتى المراوح ليست أساسية على الإطلاق، لأن الإنسان يحيا فقط بتلك القائمة التي وضعها مجلس الوزراء الموقر، من دنجو وحب هريس وفول وزيت ورز.
وبما أنه يعيش بهذه القائمة، وهي تمثل أساسياته فطبيعي جدا أن لا يفكر في الرؤية لمستقبل جيد للأبناء، فالتعليم سلعة غير ضرورية، والمهم أن يعيش الإنسان على الكفاف، والآخرة هي الفرصة الحقيقية لكل المؤمنين، أما دون ذلك فهو زائل ولا قيمة له ولا ينبغي لأي إنسان عماني عاقل أن يفكر فيه.
لا تفكر أيها المواطن في السيارات، وقطع غيارها، وإطاراتها، وسعرها، لأنك يمكن أن تستغني عنها، وعن كل الصداع الذي يأتيك من وراء سيارة، فالمواصلات العامة ممتازة وخيار ذكي جدا، يمكنك أن تلوذ به، وستساهم حتما في جعل بيئة بلادك بيئة نظيفة وغير مزدحمة.
لا تفكر في عالم سعيد، فالسعادة ليست لك أنت، أنت لك الآخرة حتما، لك الجنة بعد حين، أما الدنيا فهي وسخ زائل.
لا تفكر في غد أفضل، فالحروب تزين المشهد كله، لذا لا تشتر شاشة تلفزيونية تنقل لك الأخبار، إذ لا تنس أن لا كهرباء لديك، فالكهرباء سلعة غير مهمة، وأما الماء فيمكن أن تشرب من البحر يا صديقي، يقولون بأنه خفف ملوحته هذه الأيام، وما يدريك، لربما جاءتك سمكة لم تر مثلها منذ زمن فجلبتها لعيالك الذين يعيشون على تلك القائمة السخية التي فرضت عليك.
أنت في جهاد كبير وعليك أن توقن بأنك مناضل من الطراز الرفيع، ولا يغويك أحد بالقول بأن هناك أشياء أخرى يعيش بها الإنسان، أولئك روج لهم في التلفزة والسينما، وهي أشياء لا تهمك أصلا، ولا يمكن أن تعيش من خلالها، دعك من كل ذلك واهتم بالتفاصيل الصغيرة وراقب جارك الذي افتتح محلا صغيرا يبيع فيه الفول والعدس والقشطة، فإن رفع سعر عدسه وفوله وزيته ورزه أبلغ عنه واحكم عليه بالرجم، أما القشطة فليست مهمة فلا تهتم بها، ركز على القائمة وحدها.
هدده هذا الجار المسكين، وأخبره بان رفع أسعار سلعه تلك الواردة في القائمة قد يودي به إلى التهلكة، وبأنك لن تقبل عليه، فثمة محل كبير اسمه الهايبرماركت وفر عروض جميلة يقول: هيت لك يا مواطن.
اطعنه بذلك القرار، اتركه يتعفن مع فوله الفاسد، وامض إلى التاجر الكريم الذي سيهديك مع كل علبة فول علبة مشروبات غازية لم يتم رصدها في القائمة، ولم يعد باستطاعتك أن تشتريها الآن.
سيمنحك أيضك فرصة الفوز عبر كوبونات الحظ، وكي تفوز عليك أن تهز رأسك في دلالة واضحة على قدرته في التأثير الثقافي، وبأن رصاصة في الجيب تحملها اليوم في سفرة علاج لن تودي بك إلى الحبس، فالأمور تمام التمام
طبعا أنت لم تقصد أن تفعلها، أقصد أن تحمل تلك الرصاصة، بل ربما الرصاصة جاءت عرضا من هناك، من تلك البلاد، فإن شاءت الأقدار أن تنطلق من فوهة غير البندقية فما عليك سوى أن تنزع عنك أسمالك البالية وتحمي الوطن، كن الشهيد يا صديقي، فالحوريات في انتظارك، حيث لا قوائم ولا يحزنون.
ألم أقل لك بأن الجنة هي الهدف غير المعلن من وراء هذه القائمة؟ 
طيب الله ثراك، ورحمك أينما كنت الآن.

تعليقات

المشاركات الشائعة