دراما

اليوم هو الخامس من رمضان أو لأكن أكثر تحديدا: نهايته وخلال الأيام الماضية كنت أسمع وأقرأ الغضب من الأعمال الدرامية العمانية، خاصة العمل الذي ما زال يستحوذ على النسبة الأكبر من المشاهدين: درايش، في جزئه الثالث، حيث يفترض به أن يواصل جرعة الحرية التي يفترض أنه أتاحها في جزئه الأول على وجه الخصوص وحاول أن يتمها في جزئه الثاني، تلك الجرعة من نقد المؤسسات الحكومية والخدمات التي تقدمها وكان غير متوقع لدى الكثير من المشاهدين أن يتجه العمل إلى إخفاء هذه الجرعة، وأن يتحدث عن مشكلات المجتمع وسلبياته فحسب، وبأن المشكلة الأساسية تنبع من المواطن ذاته، وبأن المؤسسات الحكومية عال العال! هذا ما أوضحته الحلقة الأولى على الأقل والتي تابعت جزءا كبيرا منها، التي تحدثت عن المواطنين العمانيين الذين لا يثقون في مؤسساتهم الصحية ويفضلون العلاج بالخارج حتى إن كان مرضهم لا يستدعي رحلة العلاج تلك، باحثين عن كل الوسائل الممكنة للسفر، بداية من الواسطة وانتهاء بالدين هذا الأمر موجود فعليا في المجتمع، ولكنه ليس كل الصورة، الصورة التي لم توضح كل معالمها حلقة العلاج بالخارج، فالمواطن يمتلك التفكير السلبي والحكومة والموظف الحكومي يمتلكان النظرة الإيجابية والجيدة للمؤسسة الحكومية، ويريان أن القانون هو الذي يحكم أوضاع السفر للعلاج بالخارج، وبأن مستشفياتنا عال العال! كانت حملة واضحة ضد المواطن، وتم تبرئة المؤسسة الحكومية (الطبية) من كل سوء، فليست هناك أي واسطة في السفر ولا أي فساد في العلاج، والحمد لله نملك كادرا ومؤسسات صحية عالية الجودة! فيما الواقع العملي لا يقول هذا مطلقا، بل يعلم الجميع في كل العالم بما فيها أمريكا أن لا أحد بريء تماما، والنظم الصحية لدينا أيضا يعتورها الخطأ لأنها نظم بشرية آخر المطاف.. لا أحد يمكن له أن يقول بأن الفساد ليس مستشريا في وزارة الصحة، فما الذي يمنع أن يصل هذا الفساد إلى تقارير المرضى الذين يطالبون التسفير إلى الخارج بحجة العلاج؟ وهذا ما لم يظهر، وكأن المؤسسة الحكومية لدينا بريئة تمام البراءة، ملاك نازل من سابع سماء، وليس نتاج أشخاص بشريين، يصابون ككل البشر في العالم بالفساد في جزء من نفسهم البشرية! إن عملية التوازن مطلوبة، وبما أن درايش في هذا الجزء تبنى جانبا على جانب، فإنه حتما سيثير غضب الناس، فالناس كانت تحتاج إلى مساحة تعبر عن رؤيتهم أيضا، لا أن يكونوا الملامين وحدهم فقط! لقد أفرزت الأيام الماضية حالة استياء لدى الناس الذين تأملوا في أن تطوير الدراما قد ينتج أعمالا فنية جيدة، تعبر عنهم، وتقترب منهم أكثر، وتكف عن تسفيه أحلامهم البسيطة، وجعل حياتهم تنحصر في زاوية ضيقة: الزواج، الطلاق، الأباء، الأبناء، الظواهر السلبية المختلفة، التنمية، قصص الحب الفاشلة، الشر، الخير، الشركات ورجال الأعمال، القصص الضيقة التي ما عادت تجدي الآن، فالمجتمع غالبه شباب عاطلون عن العمل، يرى العالم القريب والبعيد دون أن يكون له دور فيه، أمراض عصرية تحاصره، كفساد المؤسسات وضعف الخدمات المقدمة من حكومته إليه، كالإيدز، والعلاقات التي أنتجتها الحالة الاجتماعية الحديثة من غلاء المهور إلى أزمة الأبيض والأسود، إلى الطبقية في المجتمع، إلى آخره من قضايا تستحق أن تنال فرصة من الشد والجذب والنقاش على مختلف الأوجه وبرغم هذا الغضب، يحقق هذا العمل حضورا مميزا لدى المشاهد العماني، مما يعني وجود نتاج إعلاني مميز، يتضح هذا العام بشكل بارز، كما أن هذا العمل هو الذي أتاح لكوادر عمانية مميزة أن تظهر وتبشر بنفسها في مجال الكوميديا: سعود الخنجري، عبد الحكيم عبد الله، علي عوض.. لقد أتيحت لهؤلاء فرصة مميزة لأن يجددوا الدماء في الدراما العمانية التي كانت لمدة طويلة حكرا على أسماء بعينها. لكن هل يستمر الدعم الإعلاني والحضور الجيد لدرايش في ظل استياء المتلقي؟ وإذا كان من بارقة أمل فربما تتضح في مسلسل الغريقة، الذي يستحق المتابعة لفكرته الجديدة المختلفة، وربما فعليا استطاع أن يخرج الدراما العمانية من قوقعة الأفكار المبسترة الدائمة شخصيا لم أعد أتابع الأعمال الدرامية العمانية منذ مدة، والعربية عموما، وأخذت أنتقي ما يمكنني أن أفرغ فيه ساعة أو ساعتين فقط خلال اليوم الواحد، لأن متابعة التلفاز تبدو ضارة، والعمر يمضي دون أن نكتسب معرفة حقيقية بكل تأكيد لا تقدمها الأعمال الفضائية ولا المصائب المقدمة على الشاشة الفضية.. وبالحديث عن الدراما العربية، يمكن القول بأن الأزمة الاقتصادية قد صححت بعض أوضاع الدراما العربية، حيث خفتت موجة الأعمال الحصرية، وفعل خيرا التلفزيون المصري عندما قرر إلغاء الحصري وبث كل الأعمال على شاشات قنواته الفضائية، كما أن الأعمال المصرية عادت إلى الواجهة، وربما سبب ذلك استفادت الإنتاج المصري من الطاقات العربية خاصة السورية منها، وهذا يحسب للإنتاج المصري صاحب العراقة والقدم. هنا سأذكر أهم الأعمال المصرية التي اطلعت عليها في أول يومين من رمضان ووجدت أنها مميزة: ابن الارندلي، الرحايا، ما تخفوش، أدهم الشرقاوي، المصراوية (أتابع فعليا هذا العمل دون أي عمل آخر والفضل لكاتبه المميز ونجمه ممدوح عبد العليم) إسماعيل ياسين، أنا قلبي دليلي.. أما الأعمال السورية فيتضح معاناتها من الأزمة الاقتصادية، فليس في ذاكرتي أي عمل يمكن أن أتابعه، وبطبيعة الحال فإن باب الحارة كان متخلعا، وبيت جدي متهدما، والشوارب الضخمة هرمت فجأة.. وبالنسبة لأعمال الخليج فهي ما تزال تراوح مكانها حيث البكائيات والقضايا الشكلانية التي لا تحاول كثيرا أن تعبر عن واقع حقيقي، باستثناء محاولات معدودة كهوامير الصحراء، وكذلك عودة طاش في نسخته السادسة عشرة، كاسرا التوقعات بأنه لن يأتي بجديد، فيما هو فعليا متجدد لا أنسى هنا العمل الجميل: هدوء نسبي، ليس لأن مخرجه هو شوقي الماجري، بل لفكرته التي لم تطرح من قبل، واعتماده على تكاملية عربية في الإنتاج والأداء، مثل عرب لندن العام الماضي.. وإن كانت من نصيحة أخيرة، فإني سأقول تابعوا منال العالم في أبو ظبي وعمرو خالد أيضا، وخواطر التي تجيء هذا العام من اليابان، وبالأخص طبعا تابعوا منال العالم

تعليقات

  1. جميل ما كتبته أستاذي هلال البادي

    ردحذف
  2. منال العالم !!!
    الأخ هلال بدأت مقالك بالنقد للدراما وذكر أسماء المسلسلات المميزة، وفي النهاية اتفاجئ أن الكاتب المشهور ينصحنا بمشاهدة مطبخ منال العالم!
    يابخت زوجتك اكيد طول الوقت انت تطبق عمليا الذي تشاهده من الوجبات
    هل زاد وزنك في رمضان؟؟؟

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة