عودة للتربية من جديد
مع أنني كنت أنتوي أن أتوقف عند المقال الماضي "مع المعلم هذه المرة" إلا أن التفاعل الكبير الذي وصلني، وقضية فصل الطالبات العشرين بحجة عدم التزامهم بحضور تمارين والاستعدادات للاحتفال بالعيد الوطني الأربعين المجيد، يعيدني مجددا إلى الحقل التربوي، وأجدني منساقا للقول بأن كثيرا من أزمة هذا الوطن، أزمة أبنائه وعدم استطاعتهم التأقلم مع الواقع، وانغماسهم في أنساق قديمة من الحياة، أنساق تحمل أنماطا لا يتقبلها التحول الذي أصاب البلاد، والنمو الذي عاشته، والطفرة السكانية التي معها يحدث تلقائيا التحول، غير إننا لم نزل نراوح في المكان ذاته
في هذا المقال لن أعيد الكلام حول أزمة أننا نرى في التدريس وظيفة كباقي الوظائف تدر مالا آخر الشهر، وبأن هذه الرؤية هي رؤية مجتمعية الكل ساهم فيها، ليس الذي انخرط في سلك التدريس وسمي فيما بعد معلما. كما لن أكرر الحديث عن الحلقة التي أثارت استياء قطاع عريض من هؤلاء المدرسين والتربويين، وكأنما هم ملائكة لا يصل الخطأ إليهم، ولن أناقش المساوئ التي يرتكبها كثير من المعلمين، تلك المساوئ التي يصدم بها المجتمع بين الحين والآخر
هذه المرة سأضع تساؤلا حول قرار الفصل الذي نالته فتيات لم يشتركن في التدريبات التي تجري حاليا استعدادا للاحتفال بالعيد الوطني الأربعين المجيد: هل كان قرارا صائبا؟ هل من المنطق والمعقول والقانوني أن تفصل طالبة لأنها رفضت أو رفض أهلها أن تشارك في هذه الاحتفالات؟ أين مفهوم التربية الوطنية الذي يحبب الناس في أوطانهم ويشعل في داخلهم روح الانتماء والحب لهذا الوطن الجميل؟
القرار خاطئ بطبيعة الحال، ولا يصب في مصلحة لا الوطن ولا المواطن ولا الطالبات بكل حال من الأحوال، وهو مؤشر خطير على التحولات التي بدأت تصيب مفاهيم التربية في مدارسنا، وبأننا لم نعد نعير مفهوم التربية أهميته الكبيرة، بل بتنا نرى الأشياء من منطلقات أخرى لا تمت بصلة للتربية مطلقا، بل إنها تغذي الشعور بأن التربية ما هي إلا وظيفة كبقية الوظائف، وبأن من يقرر مثل هذا القرار ليس هدفه تربوي حتى إن قال ذلك، بل يهدف إلى طموح وظيفي. ومع أن له الحق في مثل هذا الطموح إلا أنه لا ينبغي أن يكون على حساب الأجيال المقبلة، ولا على حساب الوطن ذاته، فالوطنية ليست بالترهيب والقرارات الحادة، وإنما بتعميق مفاهيم المواطنة والانتماء في قلوب الطلاب، وأعتقد أن هذا هو المهم، وليس أي أمر آخر.
في الجهة المقابلة انبرت المنتديات الإلكترونية تصب جام غضبها على وزارة التربية والتعليم، بل تقدح في شخص الوزير ذاته، وكأنما القرار صدر شخصيا عنه هو، لا عن مديرة المدرسة بتوجيهات من المدير العام، واللذان على ما يبدو كانا يجتهدان إلا أن اجتهادهما لم يصب كبد الصواب. انبرت تصب غضبها ـ بأسماء مستعارة ـ وكأنما هي فرصة كي نقدح في المؤسسات الحكومية من منطلق رؤية عامة ترى فيها أنها عدو للمواطن، وعدو للوطن ذاته، وليست جزءا من تركيبته.
تعليقات
إرسال تعليق