منطق الكمبويتر عندما يدعونا للتفكر
اليوم وصلني بالبريد الإلكتروني مقال نشر في مجلة روز اليوسف المصرية، مقال أثارني كما أتوقع أنه سيثير الكثيرين حالما يطالعونه، لا لسبب، ولكنه يكسر الهالة القدسية بالعقل والمنطق، ويحاول أن يناقش ويسائِل صحابيا تعلمنا في صغرنا أنه أشهر من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
المقال لا يحاول أن يتهم أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ أو يتجنى عليه بشيء، يتهمه بأنه كذب مثلا على رسول الله بأحاديث ليست صحيحة، بل يأتي بمساءلات الحاسب الآلي ويضعنا جميعا نحن المسلمين في مواجهتها، بادئا من كونه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة يسيرة لا تضاهي مصاحبة أبي بكر أو عمر أو علي أو حتى عثمان، وهم الخلفاء الراشدون، ورغم ذلك نجده أكثر من روى عن الرسول الكريم؟ ألا يثير هذا الأمر تساؤلات مقارنة بالأحاديث التي رواها الصحابة الآخرون؟
ربما رأى بعض المعارضين للنهضة المعرفية التي نحياها في العصر الحالي بلاء مستحكما، لدرجة أننا أمسينا نتبلى على صحابة رسول الله، ونقدح فيهم، ونشكك في درجة إيمانهم، في أخلاقهم، في سيرتهم
مثل هذا الكلام يجعل الكثيرين يثورون على من شكك في مصداقية شخصية كالصحابي القعقاع بن عمرو التميمي، بل إنهم يثورون جدا في حال انتقاد شخصية جدلية كمعاوية بن أبي سفيان أو حتى عمرو بن العاص، وهما الداهيتان الأهم في سيرة الإسلام الأولى، متناسين ما فعلاه كي ينالا السلطة بأي شكل، متناسين أنهما بشر، وبأن الإسلام لا يعني أن يكفا هما أو سواهما عن النظر إلى الدنيا، النظر إلى مغوياتها، إلى إغراءاتها والإنجذاب إليها، وفي سبيل تحقيق ذلك يمكن تجاوز مبادئ إنسانية و"إسلامية" وهذا ما فعله كثيرون، هم من المسلمين الأوائل، من الصحابة، ممن تأخر إسلامهم أو تقدم لا فرق في ذلك، فالإسلام في القلب وليس في الإعراض عن الدنيا بحجج كثيرة.
عموما أنقل هذا المقال الذي أعجبني بمنطقيته، وجعلني أفكر في كثير من الأشياء بمنطق جديد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صاحب الرسول أقل من ثلاث سنوات وروى عنه 5374حديثاً . الكومبيوتر يحاكم ابو هريرة = عدد الأحاديث التي نقلها الخلفاء الأربعة عن الرسول (ص) يعادل 27% مما رواه ابو هريرة عنه ! = قال للصحابة " ان في جعبتي اكثر من ذلك ولو حدثتكم به لرميتموني بالمزابل " ! = روى حديثاً عن السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم , رغم انه اسلم بعد موتها !
بقلم د. خالد منتصر
اثناء تجولي في معرض الكتاب الأخير لاحظت زيادة كبيرة في عدد دور النشر المتخصصه في الكتب الدينية ولمست مدى اقبال وحرص الشباب على اقتناء كتب التفاسير والأحاديث والتاريخ الأسلامي مما يعكس مدى التعطش الشديد من هؤلاء الشباب لمعرفة تعاليم ديننا الحنيف ورسم ملامحه الصحيحة التي شوهها البعض بالتشدد والمغالاة والقسوة والبعد عن منابعه الأصيلة التي تنبض بالحب والتسامح واحترام العقل , وقد اسعدني هذا الأتجاه الذي اعاد البوصلة الى اتجاهها الصحيح بعيداً عن كتب الثعبان الأقرع ونسائنا وقود النار وغلمان الجنة , الى آخر هذه الكتب الصفراء التي تكرس التخلف وتمتهن العقل. ومما ضاعف من سعادتي دخول التكنولوجيا الحديثة الى دنيا المطبوعات الأسلامية فقد امتلأت اجنحة المعرض وايضاً مكتبات الأسواق بل وبيوت الكثيرين بديسكات الكومبيوتر والـ"سي دي " ومنها ما يستعرض التاريخ الأسلامي ومنها ما يتلو ويفسر القرآن ومنها ايضاً ما يقدم لنا جميع الأحاديث النبوية , وسرعان ما باغتتني علامة استفهام وانا اتأمل احدى هذه "السيديهيات" هل ما اتأمله هذا وامسكه بيدي يعد تقدماً بالفعل ؟ وهل انعكست هذه التكنولوجيا على فهمنا ورؤيتنا لهذا التراث ؟ هل استفدنا من هذا الكومبيوتر في صناعة منهج علمي في تناول ودراسة هذه التفاسير والأحاديث ؟ أم الحقيقة هي اننا مجرد مستهلكين مارسنا هوايتنا في الحفظ وضاعفنا من قدرتنا على التخزين , وصار الكومبيوتر لدينا مجرد فرد في طابور العنعنة او ارشيف متقدم يساعدنا في الفهرسة ليس الا . الف سؤال وسؤال دار في راسي وانا ممسك بالسي دي الذي كان يخزن كافة الأحاديث ويساعد على استعادتها في جزء من الثانية . قبل ان اجيب قلت لأجرب بنفسي في مجال الأحاديث والذي هو بالأساس مجال يعتمد اولاً واخيراً على الذاكرة والحفظ , ولكنها ذاكرة البشر وحفظ وتخزين العنعنة الأنسانية ولنجرب ذاكرة الكومبيوتر ولندخل له الداتا او المعلومات متداخله مع التاريخ والتفاسير والأرقام وانتظرت النتيجة وبدلاً من ان احصل على اجابة وجدت امامي علامات استفهام لا حصر لها تدور معظمها عن اهم راو للحديث في التاريخ الأسلامي وهو ابو هريرة الذي عقد له الكومبيوتر محاكمة من خلال تناقض الأرقام ولا منطقية التواريخ , والمحاكمة ليست محاكمة اتهامات ولكنها محاكمة تساؤلات واستفهامات مشروعة , فالصحابة علينا واجب التوقير وليس التأليه وحق الأحترام وليس التقديس وهذا شجع الكومبيوتر الذي كانت اول معنونة يتلقاها هي انه لا كهنوت في الأسلام . اما لماذا ابو هريرة بالذات فلأن ما روي عنه خمسة آلاف وثلثمائة واربعة وسبعون حديثاً (5374) اما لماذا اندهش الكومبيوتر وهو يعد حساباته فالسبب ان هذا الكم كان حصيلة ثلاث سنوات فقط صحبة للرسول عليه الصلاة والسلام , اي ما مجموعه 1195 يوماً اي بمعدل خمسة احاديث يومياً تقريباً , واعتقد انه لو كان قد تجسد ظلاً للنبي لما كان هذا الرقم , وليس سر الأندهاش في الكم فقط ولكن في تناقض هذا الكم مع ماروي عن باقي الصحابة فالنسبة بينه وبينهم بها خلل كبير فجميع ما روي عن ابي بكر انما هو 142 حديثاً وكل ما اسند الى عمر بن الخطاب 573 حديثاً وكل ما لعثمان 146 حديثاً وكل ما روي عن علي 586 حديثاً اي ان مجموع الأحاديث المروية عن الخلفاء الراشدين بما عرف عنهم من تقوى وورع وسبق للأسلام هو 1411حديثاً اي بنسبة 27%مما روي عن ابي هريرة , والمدهش انه اعلن ان ما زال في جعبته الكثير وانه لم يقل كل ما عنده فقد قال " يقولون اكثرت يا ابا هريرة والذي نفسي بيده لو حدثتكم بكل شيء سمعته من رسول الله (ص) لرميتموني بالمزابل" . ثم ما ناظرتموني ، هذا بالرغم من ان مجموع ما روي عنه يفوق كل ما روي عن الخلفاء الأربعة كما ذكرنا مضافاً اليهم امهات المؤمنين وفاطمة بنت الرسول اما عبد الله بن عمرو بن العاص الذي اعترف له ابو هريرة شخصياً بأنه كان اكثر حديثاً فلم يرو عنه سوى سبعمائة حديث اي واحد على سبعة من احاديث ابي هريرة . اما اذا اتينا للصحيحين البخاري ومسلم فلأبي هريرة 1574 حديثاً بينما نجد لأبي بكر 16 حديثاً وحسان بن ثابت حديثاً والزبير حديثاً والعباس اربعة وعبد الرحمن بن ابي بكر ثلاثة ومثلها لعبد الله بن الزبير اما علي بن ابي طالب فسبعة وثلاثون وعمر بن الخطاب ثلاثة واربعون وعمار بن ياسر حديثان , واذا جمعنا ما في الصحيحين عن ثلاثين من مشاهير الصحابة فنحصل على مائة وثلاثة وسبعين حديثاً بينما لأبي هريرة اكثر من تسعة اضعاف هذا العدد وقد اندهش معاصروه كما اندهش الكومبيوتر من ضخامة هذا العدد فدافع عن نفسه قائلاً " ان اخوته من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق وان اخوته من الأنصار كان يشغلهم عمل اموالهم" , ويقول عن نفسه انه كان مسكيناً يلزم الرسول ويحضر حين يغيبون ويعي حين ينسون ولكن معاصريه من الصحابة وجلساء واقارب النبي كان لهم رأي آخر , فمنهم من وبخه مثل عمر بن الخطاب الذي ضربه بالدرة وهدده بالنفي حين سمع منه هذا الأكثار من الحديث بل ووصل الشقاق بينهما الى ان عزله عمر عن ولاية البحرين بعد توبيخ شديد اللهجة ومنهم من انكر عليه قوله مثل علي عندما سمعه يقول " حدثني خليلي ورأيت خليلي " وسأله متى كان النبي خليلك يا ابا هريرة ؟ ومنهم من كذبه مثل عائشة حينما روى حديثه عن ان الكلب والمرأة والحمار يقطعون الصلاة وقالت رأيت رسول الله يصلي وسط السرير وانا على السرير معترضة بينه وبين القبلة . وكذبته ايضاً في حديث " من اصبح جنباً فلا صيام له " وحين واجهته اعتذر وتحجج بانه قد سمعه من الفضل بن العباس وكان الفضل حين اعتذر ميتاً ومنهم من لم يأخذ بكلامه مثل ابن عباس حين انكر حديثه الذي قال فيه " ان من حمل جنازة فليتوضأ " ورد ابن عباس لا يلزمنا الوضوء في عيدان يابسة ومنهم من سخر مثل ابن عمر حين سمع انه قال " ان الرسول امر بقتل الكلاب الا كلب الصيد او الغنم او الماشية او الزرع" وقال انه اضاف الزرع لأنه يخاف على زرعه . اذن فالكومبيوتر لم يحاكم ابا هريرة وحده ولكن شاركه الكثير من الصحابة وايضاً ام المؤمنين عائشة التي كانت اكثر المهاجمين شدة . وبعدهم حاكمه الشيعة والمعتزلة والشيخ ابو رية واحمد امين ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم الكثير اما لماذا اشترك كل هؤلاء في الحساب والنقد والمحاكمة ؟ فتوجد عدة اسباب لكن اهمها مدحه الشديد واحاديثه التي تفضل بني امية على غيرهم , فمعاوية معه الحق ضد علي , ومروان مدح ذاكرته وبنو امية الذين ولوه على المدينة هم اهل التقوى والبر عنده ... الخ ومن ضمن ما رصده الكومبيوتر من تناقضات التناقض في التاريخ وتسلسله ومعاصرة الشخصيات والأحداث ودقتها , فمثلاً حديثه عن رقية بنت الرسول (ص) التي دخل عليها وفي يدها مشط وكان الرسول (ص) خارجاً من عندها واوصاها باكرام عثمان زوجها . والتناقض هنا ناشئ من ان رقية ماتت عند فتح بدر , وابا هريرة اسلم بعد موتها وبعد فتح خيبرا , ومثال آخر في قوله عن سهو النبي (ص) انه صلى بهم الظهر او العصر فسلم في ركعتين , فقال له ذو اليدين انقصت الصلاة ام نسيت , وذو اليدين هذا استشهد ببدر وايضاً قبل اسلام ابي هريرة وهناك امثلة اخرى على العلماء دراستها وتمحيصها . اما اهم ما في الموضوع فهو مناقشة المتن الذي اهدرت دراسته لصالح دراسة السند , ومن الأحاديث الكثيرة المروية عن ابي هريرة والتي يظهر بعضها على الشاشة الصغيرة وتروج بين الناس ومنها ما يحط من قيمة المرأة مثل حديث الكلب والحمار والمرأة السابق ذكره والذي انكرته عائشة , وايضاً الحديث الذي يقول ان سوء الحظ يوجد في ثلاثة البيت والمرأة والفرس , ومنها ما هو غير مقبول للعقل مثل الحديث الذي يقول " اذا سمعتم صياح الديك فاسألو الله من فضله فإنها رأت ملكاً " " واذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فانه رأى شيطاناً " . وايضاً حديث الذبابة المشهور عن جناح الداء والدواء , ومنها ما هو متناقض مع حديث قاله ابو هريرة نفسه , فمثلاً الحديث الذي انكر فيه وجود العدوى وحديثه الثاني الذي يدلل على وجودها حين قال انه سمع النبي (ص) يقول لا يوردن مريض على مصح . ونرجو من الأزهر الشريف منارة العلم ان يوظف كل طاقاته لغربلة الأحاديث ودراستها وعدم الأكتفاء بجملة " ليس بالأمكان ابدع مما كان " وليحاولوا تطبيق مناهج البحث العلمي في دراسة علوم الحديث , ونرجو ان لا يقتصر دور الكومبيوتر على كتابة بيانات الشجب لجبهة علماء الأزهر , او تقارير فصل اعضاء هذه الجبهة بأمر شيخ الأزهر, واخيراً .. انها ليست محاكمة تشهير بل انها محاكمة تنوير
تعليقات
إرسال تعليق