مع المعلم هذه المرة

قد كان أمرا مضحكا بعض الشيء أن يقوم معلمون وتربويون برفع تظلم على حلقة عرضة في المسلسل الرمضاني "درايش" الذي بات وجبة رمضانية سنوية لابد أن تثير كلاما كثيرا، وهذا بحد ذاته ظاهرة صحية جيدة، وتحسب للعمل مهما كان مستواه الفني وأفكاره المطروحة.

أقول بأنه كان أمرا مضحكا ذلك الذي حصل، وتلك الموجة العارمة من الاستياء التي قام بها تربويون ومعلمون وعاملون في قطاع التدريس، لأن الحلقة كانت قدمت وجهة نظر معينة، وليس تعميما تاما حول وضع ما، وجهة نظر ليس بالضرورة أن تكون مؤسسية، أقصد ليس بالضرورة أن تكون وزارة الإعلام أو التلفزيون العماني يتبناها، بل ـ وهذا هو الغالب ـ أن يكون مؤلف الحلقة وكاتبها يحاول أن يقدم نقدا ما في وضعية معينة، لا يعممها مطلقا، بل يستغل الأدوات الدرامية في سبيل إظهارها، ومن ضمن تلك الأدوات المبالغة المتعارف عليها في العمل الدرامي، ولست هنا بصدد التحدث عما إذا كانت تلك المبالغة وظفت بشكل جيد في سياق الحلقة أم لا، وهذا ما ذكرته قبل قليل بأن البعد الفني والمهني في موضوع تلك الحلقة لا يعنيني مطلقا.

هنا أتحدث عن ردة الفعل، ردة الفعل التي ربما أشرت إليها من قبل، بأنها لا تمنح القائمين على الأعمال الدرامية مزيدا من الحرية في التعاطي مع الأفكار. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنها كانت ردة مبالغ فيها كما هو طبيعة العمل الدرامي، أقول مبالغ فيها، لأن واقع العمل التدريسي ليس جيدا كما يظنه الكثيرون، بل ليس على ما يرام في غالب الأحوال، وهذا لا يرجع إلى سوء تخطيط أو ضعف من جانب وزارة التربية والتعليم الجهة التي تلم هذا القطاع بأكمله، وحتى إن كان هناك من ضعف أداء في عمل الوزارة إداريا وتخطيطيا، فهذا أمر آخر قد أكون طرحته من قبل.

الواقع التدريسي إذن يعاني، وسبب معاناته الأولى هي المعلم ذاته، الذي قد ينظر إلى مهنة التدريس على أنها وظيفة مثلها مثل باقي الوظائف، تدر راتبا نهاية الشهر، وكفى. وبرغم هذه المعاناة وكثير من الإشكاليات إلا أن المعلم يرفض أن ينتقد، وهذا ما يتضح مما حدث في رمضان جراء حلقة من مسلسل درامي، ويا ليت أن الحلقة سبرت السلبيات الكثيرة التي نعرفها في معلمينا الأعزاء، الذين تقع على عاتقهم أخطر المهن، بل أخطر الرسالات، فالتعليم ليس مهنة وإنما رسالة من خلالها تتشكل معالم أجيال بأكملها

الحلقة ربما ناقشت جزئية بسيطة، ولكنها ليست كل شيء، وربما ظهرت على شكل تعميمي، لكننا في أعماقنا ندرك أنها لا تقصد الكل، ندرك أن هناك من يقوم بهذه الرسالة بمحبة، يتفانى فيها برغم كل المنغصات التي تواجه قطاعه، برغم، ربما، قلة الحوافز التي قد يتقاضاها، ولكنني أكاد أجزم أن هؤلاء الذين يتفانون في مهنتهم هذه هم قلة، فيما الأكثرية تضع نصب عينها الإشكاليات التي توجهها وتبني من خلالها موقفا سلبيا طاردا لحماسة الذات، كما أن هناك فئة كبيرة من هذا القطاع لا يشرف مطلقا أن تحمل رسالة التدريس، وفي اعتقادي أننا كمجتمع عماني نعرف ما يدور في هذه الناحية، وندرك أن ليس كل المعلمين يستحقون أن يكونوا في ذلك المكان السامي، لأنهم باختصار لا يمثلون القدوة الصالحة، وليسوا مؤهلين فعليا لحملة راية التدريس.

تعليقات

  1. الحلقة يا هلال اعتمدت في وزارة التربية والتَعليم .. وبذلك فهي تحمل رسالة مؤسسية واضحة ..

    ردحذف
  2. ..ولنا في الحكاية فصول لم تروى بعد ..
    محمد الكندي

    ردحذف
  3. ربما نشاهد العبارة التالية في الجزء الخامس...

    "هذه الحلقة لا تعبر عن رأي تلفزيون سلطنة عمان"

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة