سنة جديدة يا عُمان
تبدأ السنة الجديدة 2011 وثمة الكثير من الكلام الذي ينبغي أن يثار، سواء في الشأن الثقافي أو في الشأن الاجتماعي أو حتى الرياضي.
اجتماعيا ما زال المجتمع العماني يعيش في أحلام اليقظة، منتظرا مكرمة ما، منتظرا زيادة في الراتب، وأن يكون التجار الجشعون طيبين لأول مرة في تاريخ حياتهم فلا يرفعون الأسعار فندخل دوامة التضخم التي لا يمكن نكران أن السلطنة ربما كانت من أقل دول المنطقة انغماسا في هذه البركة.
ما زال الناس في عمان ينتظرون أن تتحقق أحلامهم في إجازات أكثر، في رواتب أكبر، في وظائف حكومية لأبنائهم الذين فاتهم قطار التعليم العالي لأنهم إما لم يجدوا المال الكافي كي يدفعوها للجامعات الخاصة، أو أن هؤلاء الأبناء فعليا كانوا ذوي معدلات ذكاء دراسي منحدر جدا، ولا يستطيعون فعليا سوى الحلم بوظيفة حكومية قد لا يزيد راتبها عن مائتي ريال عماني، ويا ليت تكون الوجهة إلى الشرطة أو الجيش أو الحرس أو حتى وظائف الديوان وشئون البلاط الدنيوية.
هؤلاء لا يريدون أن يفكروا في أن الحياة لم تعد كما كانت، وبأن الوظيفة الحكومية ليست هي كل المراد، ليست هي البيضة التي تبيض ذهبا بعد أن شعت أسنان التجار عن جشع واضح استثمروا ضعف العماني بشكل متقن كي يمصوا دمه جيدا
من جهة أخرى لا تريد الحكومة أن تفكر في حلول منطقية تحل أزمة الوعي، فهي لا توفر فرصا تعليمية مناسبة لأبناء الوطن، لا تفكر في إنشاء جامعة جديدة تساند الجامعة الوحيدة التي لا تستقبل أكثر من ثلاثة آلاف طالب سنويا، وذلك لاعتبارات الحفاظ على الجودة، برغم أن بعض الكليات باتت كالمدارس فحسب لا تقدم إلا معلومات تكاد أن تكون متكلسة من قدمها لاسيما في الكليات ذات الطابع الإنساني.
جامعة حكومية أخرى تضمن بكل تأكيد زيادة الوعي الذي تمت الإشارة إليه في التعداد الأخير الذي ما زال يثير كثيرا من التساؤلات، الوعي الذي يضمن من جهته أن يكون عامل البنزين فاهما لحقوقه وواجباته تجاه بلاده، الذي يضمن أن يقضي على كثير من العاهات التي نعيشها في عمان، والذي يضمن عدم تسرب الجهل الديني إلى قطاع الشباب المشكل للقاعدة الأكبر من أبناء السلطنة، ذلك الجهل الذي جعل البعض يبرع في استغلال الدين كواجهة جيدة له من أجل الوصول إلى مآربه
جامعة حكومية بكل تأكيد ستضمن اجتهادا كبيرا من قبل جهات التعليم العالي الأخرى، الجامعات الخاصة بالذات، كي تثبت نفسها، وليس التشجيع الذي تقوم به الحكومة حاليا تجاه هذه الجامعات، الجامعات التي تستلب أبناء البلد، تستلب سنوات عمرهم ومدخرات جيوبهم من اجل لا شيء، من أجل شهادة بلا قيمة، بلا فائدة، والمحصلة الأخيرة هي مجتمع وبلد لا يستطيع النظر إلى الغد بوضوح وبعزم، ويعتمد على أن يكون مجتمعا معتاشا على ما تلقي به المجتمعات الأخرى سواء القريبة او البعيدة
جامعة حكومية أخرى ستضمن ولاء أكبر لعمان، ستضمن أبناء يستطيعون أكثر أن يتخلصوا من ربقة الطبقية والقبائلية، وأن يتقبلوا الشكل الجديد للحياة في القرن الحادي والعشرين، لا أن يأتي أحدهم مملوءا بالغل تجاه عمان فيجند أبناء البلاد للتجسس عليها، لأن هؤلاء الأبناء طمعوا في قليل من المال، طمعوا في حماية سلالتهم من التلف بعد حين وفق نظرية الموالاة التي كانت تؤمن بها القبائل العربية القديمة.
جامعة حكومية اخرى ستضمن لعمان أطباء ومهندسين جددا، وتربويين قادرين على الابتكار في مواجهة الحاضر السريع التغير، الذي يبتكر فيه الجريئون وحدهم أساليب ينقاد إليها العالم كله فيما بعد، كالفيس بوك، كالتويتر، كالجوجل، وليس آخرا الويكليكس.
سنضمن أن تكون مستشفيات البلاد تحت نظرة عمانية مكثفة، وإن كان على أبناء البلد أن يموتوا باخطاء طبية فليموتوا بأيد عمانية، بأيدي الأطباء الذين درسوا في تلك الجامعة الحكومية الجديدة أو حتى القديمة
سنضمن أن نمد شبكة شوارع جديدة متطورة مهندسة من قبل عمانيين درسوا في بلادهم، وها هم يشيدون ليس الطرق فحسب، بل نمطا حضريا يتناسب مع بيئتنا، يبتكرون كل ما هو نابع من أصالة بلادنا الجميلة.
ألا تستحق هذه الأرض أن نمحها بعضا من الحب؟ ألا تستحق أن نخلص لها بالعمل الجيد؟ بمساحة أكبر من الفكر الرصين، والإبداع؟
لكن للأسف، ندخل العام الجديد ونحن في أوهامنا نعيش، في أحلامنا نسكن، لا ندري فعليا كيف يكون الغد. الأسوأ أن لا تكون هناك صفوة ثقافية قادرة على قياد هذا المجتمع إلى منابع النور، فكل المشاريع التي يتبناها ويقودها مثقفون أو مؤسسات ثقافية، هي مشاريع مفرغة من داخلها، ولا تقود إلى شيء، فيما الطبقة المثقفة تبدو طبقة فاشلة، منقادة إلى الانزواء داخل قوقعتها الخاصة حفاظا على مصالحها، وخوفا من النبذ، ولا تشارك فعليا في صياغة جادة للمجتمع.
وإذا كان الناس، ناس المتجمع العماني يواصلون نهارهم بليلهم وهم يحلمون في الوهم، أيضا يواصل هؤلاء في الانكفاء على الذات، دون المشاركة في التفكير المعرفي، ومناقشة الإشكاليات الكثيرة التي يعيش فيها المتجمع الذي يفترض بأنهم جزء منه.
هي إذن سنة جديدة تأتي بعد أربعين عاما من النهضة الجديدة لعمان التي يمتد تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، إلا أننا نتراجع لا نتقدم، وإذا تقدمنا فإننا نتقدم بالخطوة السلحفائية وبدفع خارجي على ما يبدو.
تعليقات
إرسال تعليق