أين تذهب في العيد؟

في العيد يجتمع الأهل والأقارب، ويتزاور الناس ليشدوا أواصر تكاد تنصرم في عهد الفضائيات، عهد السرعة، عهد الوجبات السريعة في كل شيء، وخلال ثلاثة أيام ينتهي العيد رسميا، وتبقى الإجازة ممتدة إلى نهاية الأسبوع لتكون فرصة للأسر والعوائل أن تلتقي، أن تستريح من ضغوطات العمل، وأن تكتشف الدنيا من جديد

الاكتشاف هنا هو ترفيه بالدرجة الأولى، ومعرفة بالدرجة الثالثة ربما، ولكنه في كل الأحوال ينصب في خانة السياحة التي تجدد خلايا المخ وتمنح المرء فرصة لأن يجدد من حياته قليلا. لكن إلى أين يمكن أن تكون هذه السياحة؟ في إعلان لوزارة السياحة نشر خلال اليومين الماضيين كان الشعار "السياحة في الدار أفضل اختيار" يتراءى بأنه محرض جميل على اكتشاف البلاد، اكتشاف سحر عمان وجماليات المكان العماني، فمعان بلد ساحر بتفاصيله الأخاذة وتنوعه الكبير. ولكن حالما تقرر أسرة من الأسر أن تذهب إلى مشروع السياحة الداخلية فإنها غالبا ما تصطدم بعديد من العوائق أهمها عدم وجود مقومات أساسية للسياحة، وهنا سأتجاوز عن مسألة الطرق ومشاريع الطرق المؤدية إلى الأماكن السياحية بالحديث عن دورات المياه العامة وعن المطاعم التي لن أطالبها بأن تكون ذات خمس نجمات، بل يكفي أن تقدم نجمتين وخدمة نظيفة آخر المطاف، وعن المحلات التي يفترض فيها أن ترشد السائحين إلى جماليات المكان من خلال الكتيبات والمنشورات وحتى المرشدين السياحيين.

صدقا نحن في بلد سياحي لا نمتلك إلا أقل القليل من هذه المتطلبات، ويظل العمانيون يذهبون للأودية والمزارات الطبيعية مجهزين بعدتهم المنزلية لأنهم يدركون سلفا أن لا فرصة أمامهم إذا ما حملوا معهم الطعام كمثال بسيط. وسيتأملون المناظر ويستمتعون بالمياه وبالبحر دون التفكر في أن هذه الأماكن تحمل في طياتها تاريخا جيولوجيا وطبيعيا يجدر بهم أن يتعرفوا إليه.

قبل مدة ذهبت إلى إحدى المدن العمانية التي تجمع بين تراث الطبيعة وتراث الحضارة، وبحثت في رحلتي السياحية عن مطعم لتناول وجبة الغداء ولم أجد إلا مطاعم لا تتوفر فيها أدنى المقومات الصحية، فحملت وجبتي وذهبت إلى ما يسمى استراحة أيضا ليس فيها ما يمكن أن أغسل به يديّ بعد الطعام

هذا مثال بسيط على تدني الخدمات المقدمة في مجال السياحة، وبرغم أن الناس تود أن تروح عن ذاتها ومستعدة للدفع إلا أنها لا تجد ما يمكن أن تدفع له فعليا، وفي حال وجد فإنه غالبا ما يكون ذا سعر موجه للغريب، وكأن على الغرباء وحدهم اكتشاف البلاد والاستمتاع بجمالياته.

قد يقول الآن قائل بأني أبالغ بعض الشيء، ولكنني أدعوه إلى رصد حالة السياحة في أيام الأعياد ليرى بنفسه عدد العوائل التي لا تذهب إلا إلى مسقط بحجة أن حدائقها مزارات جميلة، وبها مجمعات تجارية ومحلات عرض سينمائية لا تتوافر في مدن عمانية أخرى، والأهم أن الزائر لمسقط لن يجد تعبا في الحصول على مكان نظيف ومرتب، ولن يتعب في الحصول على مطاعم تتناسب ومقاسه وجيبه، ولا حتى فنادق وشققا تقدم خدمات مضمونة

لماذا يترك هؤلاء الأماكن التي تجاورهم ليأتوا إلى مسقط؟ إنهم يأتون هنا لأن مسقط وحدها المزدانة بغالب الخدمات، ولأن مزاراتهم السياحية ومدنهم لم يلتفت إليها كما يلتفت إلى مسقط، ولو أن بلدية مسقط هي بلدية كل مدينة عمانية لاختلف الحال، ولو أن المستثمرين يراجعون حساباتهم فيحاولوا الولوج أكثر إلى تلك الحواضر لما ازدحمت مسقط أيضا في مواسم الأعياد.

تعليقات

  1. يا هلال .. هداك الله
    خلفية سوداء وخط أبيض ..

    ما رمنا نقرأ

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة