مع وزارة التربية والتعليم 1
مع انقضاء شهر رمضان وانتهاء إجازة عيد الفطر السعيد، بدأت الحياة تدب في أوصال المدارس، حيث مع بداية الأسبوع بدأ الطلاب في مرحلة جديدة من حياتهم، سنة أخرى من سنوات الدراسة، ومع هذه البداية ـ وربما قبلها بكثير أو قليل ـ تنطلق إشكاليات عدة، ونبدأ كمجتمع في التشكي من أحوال التربية والتدريس، فلا يكاد عام دراسي يبدأ إلا وتكون قد سبقته عواصف كلام وشكوى وأنين، ومن عدم وجود مدارس كافية في وقت من الأوقات، إلى شكوى مريرة من قبل مخرجات كليات التربية الذين أصبحوا اليوم مثل مخرجات الثانوية العامة أو ما سمي حاليا بشهادة الدبلوم العام، يجلسون في البيوت في انتظار مناداة أسمائهم لدخول امتحان يثبت من خلاله عدم صلاحيتهم للتدريس
أين الخلل؟ هل هو فعليا في هؤلاء الخريجين الذين لا يجدون مكانا يمارسون فيه المهنة الوحيدة التي أهلوا لها؟ أم في سياسات التخطيط التي تتبناها وزارة التربية والتعليم؟ في ظني أن المشكلة يساهم فيها الكل: الوزارة، الخريجون، والأهم هو المجتمع الذي ظل لسنوات يلقن أبناءه بأن التربية "وظيفة" في اليد وعليكم أيها الأبناء أن تختاروا هذا التخصص كي يتضمنوا وظيفتكم بسرعة عقب التخرج، ولذلك يصعب اليوم تقبل فكرة إجراء امتحان تحديد مستوى أو امتحان قبول لهؤلاء المخرجات، فهم يظنون أنه من المحتم على الجهة المعنية أن توظفهم مهما كانت مستوياتهم، وهذا أمر خاطئ، إذ من حق الوزارة أن تنتقي المعلمين الجيدين الذين بإمكانهم حمل الأمانة الكبرى، أمانة التدريس وتنشئة الأجيال، فالسلعة السيئة لا تجلب إلا سلعة أسوأ، ونحن ندرك واقعيا بأن كثيرا من المعلمين ليسوا مثالا جيدا ولا يمتلكون القدرة الجيدة التي تؤهلهم فعليا لمثل هذا العمل، ولكن التخطيط كان يريد أن يعمن هذه المهنة بسرعة، مهما كانت النتائج. وها نحن نعيش نتيجة ذلك التخطيط وذلك الاجتهاد
مع ذلك أرى أن الوزارة ما تزال محقة إلى أبعد الحدود في أنه من الضرورة بمكان تعيين معلمين من الكفاءات وليس كل من هب ودب وباتت لديه شهادة جامعية يمكن له أن يكون معلما حتى لو تخصص في مجال التربية ذاتها.
من جهة أخرى فإن فكرة انتقاء الكفاءات "الجيدة" تذهب أدراج الرياح في ظل ما قد أسميه "التنكيل" بالطاقم التدريسي، حيث تنقل معلمة من مدرسة قرب بيتها الأسري وتبتعد عن أطفالها وزوجها وأسرتها إلى منطقة نائية عملا بقاعدة تتبعها على ما يبدو الوزارة وهي التدريس في المناطق النائية. الخطورة هنا أشد وقعا من خطورة بطالة حاملي الشهادات الجامعية، إذ يتم تمزيق الأسرة العمانية من أجل قواعد لا تبدو سليمة أبدا في ظل هذه الحالات، وهنا تحدث الإشكاليات الكبرى، حيث ينشئ الأطفال بلا أسرهم، بلا آبائهم أو أمهاتهم، يجدون أنفسهم مشتتين، ضائعين، إضافة إلى مشكلات أخرى أكثر صعوبة من هذه، فإن كان الهدف الأول لوزارة التربية والتعليم هو هدف تربوي، فعليها ساعتها أن تعيد النظر في مثل هذه الفكرة، وخاصة عند التفكير بنقل معلمة هي أم وزوجة وربة بيت، كي لا ينشئ المجتمع مجتمعا مختلا وربما منحلا في أشد حالات التشاؤم.
وإن لم تكن هذه الفكرة تبدو خطرة بالنسبة لمنسقي التخطيط في وزارة التربية والتعليم، فعلى أقل تقدير ليفكروا فيما تفعله قرارات النقل هذه، حيث إن كثيرا من حوادث السيارات والوفيات في الخطوط الطويلة يكون بعض أفرادها معلمات ومعلمين، وأضع المعلمات أولا لأننا لم نعتد في مجتمعنا العماني أن تقطع المرأة المسافات الطويلة من أجل ما يسمى بوظيفة، وللحديث بقية...
تعليقات
إرسال تعليق