وجهة نظر

في المقالة الماضية أشرت إلى أهمية جهاز التحكم "الريموت كونترول" حيث أنه يلغي كثيرا من الوصاية الإعلامية التي قد يفرضها التلفزيون الرسمي، ومع وجود أكثر من ثلاثمائة محطة تلفزية عربية بات من السهل جدا استثمار هذا الجهاز جيدا، هذا عدا شبكات الكيبل وشركات الفضائيات المدفوعة الثمن

وذكرت كيف أن الدراما المصرية أيقنت خطورة هذا الجهاز، فتخلت عن كثير من الأفكار التي كانت تسيرها وصرفت جيدا في سبيل تقديم أعمال درامية قد يصعب منافستها، وهذا ما حدث في رمضان الحالي، حيث أكثر من خمسين عملا دراميا تلفزيا أسوأها يجد إقبالا جيدا، فما بالك بجيدها الذي مسح سنوات الغياب عن الشاشات العربية سابقا؟ بل إن قنوات التلفزة المصرية بدت وكأنها تسحب البساط من قنوات فضائية عربية مرموقة كقناة (mbc) التي ربما تعد أكثر القنوات بثا للأعمال الدرامية في شهر رمضان وكذلك البرامج ذات الصفة الحصرية كبرنامج خواطر وبرنامج حجر الزاوية وهما البرنامجان الأشهر في نوعيهما اللذان تبثهما القناة.

وفيما المشاهد العماني عليه كل عام أن يشمر عن "غضبه" لما يعرضه التلفزيون العماني في قناتيه، إلا أن غضبه مع مثل هذا المعطى "الريموت كونترول" يبدو ساذجا، فلا أحد مجبر في ظل الفضائيات والصحون اللاقطة أن يتابع ما يبدو له "سيئا" ولكن قائلا ما سيقول: إنها الشاشة الوطنية! وهو محق في ذلك، ولكن هل على هذه الشاشة الوطنية أن تراعي ما يطلبه المشاهد منها؟ لا أظن ذلك، فهي تعمل وفق خطة مرسومة ومعدة سلفا ووفقا لقواعد ليس من اليسير الخروج عليها هكذا، حتى مع وجود رغبات جارفة نحو التجديد والتطوير والتعديل، والنقد.. النقد الذي يريده الإنسان العماني أن يطال المؤسسات الحكومية، أن يناقش قضايا تخصه هو بالدرجة الأولى ومن وجهة نظره هو فحسب، قبل أن تناقش من وجهة نظر أخرى سأتجاوز هنا وأسميها وجهة النظر الحكومية.. لذا سيكثر في كل رمضان الهجوم على عمل درامي مثل درايش، وبأنه يستهزئ بالمواطن العماني ولا يقيم له وزنا، ويضع كل الإشكاليات في كفته هو وحده، دون أن يحاول فعليا أن يتماس مع القضايا "الحقيقية" للمواطن العماني، وكأن التلفزيون العماني أنتج هذا المسلسل وحده، ولم ينتج أعمالا درامية أخرى، أو برامج تلفزية تستحق أيضا أن توضع في ميزان النقد، إن كان ما يقال هو نقد فعلا، فالعمل الدرامي ـ أو حتى البرنامج التلفزي ـ ليس مجرد فكرة، بل هناك أشياء أخرى تضاف إليه كالصورة مثلا، كعملية الإخراج والمونتاج والصوت والمؤثرات والأداء إلى آخرها، قد يتغافل عنها كثير من المشاهدين الذين ينتقدون هذه الأعمال، مع تأكيدي هنا على حقهم في إبداء آرائهم فيما يعرض لهم، حتى وإن خلا "نقدهم" من القيم الأخرى التي ذكرتها

أمر آخر أراه مهما أيضا، وهو: إن كانت حلقة من العمل الدرامي درايش قد أثارت حنقا عارما جعلت البعض "يزعق" بشدة في وجه القائمين على مثل هذه الأعمال، وسببت تلك الحلقة ما يشبه الاعتراض بل الاحتقان عند بعضهم، وانبرت أقلام تكتب مهاجمة العمل الدرامي، بل وصل الأمر إلى التخطيط لرفع قضايا في المحاكم، فمتى يمكن أن يستطيع صاحب فكرة تقديم فكرته ووجهة نظره إن كان هذا هو الرد؟ أقصد بأنه ما دامت لدينا هذه الحساسية المفرطة تجاه طرح قضية ما أو بالأحرى وجهات نظر، ما فمتى يمكن للدراما أن تخوض في القضايا ذات الحساسية الحقيقية، تلك الأفكار والقضايا التي يتحاشى الإعلام عموما أن يخوض في تفاصيلها لإيمانه بأن المجتمع لا يمكن له أن يتقبل ولو قليلا الخوض فيها؟ مع العلم أننا نحن الذين دائما ما نطالب الإعلام أو الأعمال الدرامية بأن تزيد في مساحة حريتها وأن تتجاوز ما نعتقد أنه خط أحمر أوهمنا أنفسنا به. وإذا كنا فعليا نريد للإعلام أو للدراما أن "تنفتح" أكثر فلماذا كل هذه الضجة على حلقة ربما نتناسى أن وراءها كاتب غالبا ما يكون قد كتب فكرته دون توجيه من قبل فريق الإنتاج وهم هنا التلفزيون العماني؟

ولعلي هنا سأتذكر وأنا أختم هذا المقال؛ القضايا التي رفعت ضد أدباء عمانيين كانت كل جريرتهم أنهم كتبوا أفكارهم في إطار من التخييل الإبداعي، فما كان من بعض الناس إلا أن وجدوا في تلك الطروحات تعديا عليهم..

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة