إلى آمنة الربيع: كوني غيمة تهطل مطرا

فبعد التحية والسلام، فإني أقول لك: ما هكذا يكون التعاطي مع القضايا الثقافية، ما هكذا تورد الإبل وأنت العارفة الفاهمة المثقفة التي يشار إليها حبورا وغبطة لما تملكه من إمكانيات ثقافية ومعرفية وسقف حواري مرتفع..

لقد أسأت لنفسك قبل الإساءة للآخرين عندما عرضت بكاتبين من أهم كتاب هذا الوطن: سماء عيسى وعبد الله حبيب، فأما الأول فقد اتفق الجميع على أنه الرجل المثقف الذي يمد يده للجميع، ويغلب مصلحة الجماعة على مصالح ذاتية، بل إنه يغيب نفسه في سبيل الآخرين خاصة الشباب منهم، فكيف به رجلا يبحث عن مجد شخصي؟ وأما عبد الله حبيب فهو لم يكن ليدخل أي صراع مع أحد، ولم أره حتى اليوم يدخل مثل تلك الصراعات التي تملأ ساحتنا الثقافية، فهل مطلوب منه بعد هذا العمر الطويل أن ينكص على عقبيه لأنه يبحث كما قلت عن أمجاد واهية؟

لن أقول بأنك قصدت ما قلت، وسأقول بأن التعبير خانك وأنت صاحبة البلاغة والكلام الرفيع، لأنك كنت في حالة هجوم دفاعي عن قضية تخالين أنك صاحبتها، لأنك كنت متوترة بشكل واضح، ومنفعلة على غير عادتك التي عودتنا عليها

الغريب أنك مع غضبك المسرحي العارم لم تنفعلي هكذا لصالح المسرح في أي يوم وفق ما أتذكر، وساعتها لن يلومك أحد أنك انفعلت، لأن المسرح يجري في عروقك مجرى الدم، ساعتها يكون انفعالك طبيعيا جدا، ولكن أن تنفعلي في مثل هذا الموقف هو ما لا أعرف له تفسيرا، وهو ما ألومك عليه وأعتب عتبا كبيرا، ولو أنه صدر من آخر لما كان له تأثير، ولكنه جاء من لسان آمنة الربيع، التي قل نظيرها بين نساء بلادي.

هل أخذتك الحماسة لمثل هذا المشروع وهذه اللجنة؟ وهل الحماسة تجعل من الفرد قادرا على أن يلقي بالكلمات جزافا فصيب كيت من الناس؟ لربما أنت غير متحمسة، وهذا أسلوب جديد في إضعاف المشاريع الجديدة، أقول ربما لأني لا أعلم النيات ولا أعرف مقاصدك الحقيقية، حتى وإن أشرت في حديثك الإذاعي إلى أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى العمل الثقافي المغاير، وفي هذه النقطة بالتحديد لم أكن أعرف أن العمل الثقافي المغاير يتنافى مع ما هو موجود وفاعل

هل تعرفين ما المشكلة الكبرى في نظري الآن؟ أننا صرنا نتاجر بالكلمات الكبرى، فكل واحد منا يرى أنه يريد خدمة الوطن، وخدمة عمان، ونتناسى جميعا أن وطننا لا يحتاج إلى إلغاء بمقدار حاجته إلى إفساح المجال للجميع كي يقدم رؤيته وفق القواعد المعمول بها، فهل كنا مخطئين عندما طالبنا بمثل هذا الأمر؟

مشكلتنا إذن الآن أننا نتملص من أبسط مبادئنا التي شكلنا وعينا الثقافي على أساسها، وهنا سأزعم أنك واحدة من المدافعين على العمل المدني واشتغال المؤسسات الأهلية دون تدخلات من قبل من أعطي السلطة المنظمة، لربما تناسيت أستاذتي الفاضلة أنك كنت نائبة رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وعملت في شأن الحقوق المدنية وتفاعلت معها تفاعلا وضح في بعض مقالاتك التي نشرتها في ذلك الوقت

والآن يبدو أن وقتا جديدا يأتي، وبأن قناعات أخرى تحل محل ما كان، وفي النهاية كلنا نعمل من أجل خدمة الثقافة والمثقفين مهما همشنا أدوارا قائمة، وأفعالا كانت تحرك في نقاط معينة، تشعلها وتضيء المسافة الواسعة من عقولنا وتربة هذا الوطن.

أمر آخر أستاذتي العزيزة: لا يمكنك التقليل من شأن من وقع والتعريض بهم على أنهم غير فاعلين في الحراك الثقافي، مشيرة إلى أن "كثيرا من الأسماء الموقعة لا تحضر إلى الفعاليات الثقافية المختلفة" وليس لها علاقة بالأمر، فأنت ـ كما ذكرت أنا ـ لم تكوني أيضا حاضرة في كل هذه النشاطات التي كانت تقام، ولكل إنسان ظروفه الخاصة التي لم تؤهله لحضور هذه الأنشطة، من مثل ناصر البدري المسافر للدراسة في الخارج، وهو الذي كان من أشد الناس تفاعلا وحضورا قبل أن يسافر مبعوثا من وطنه لتتمة دراسته العليا والتي تصب في نهايتها لخدمة عمان وطننا الجميل.

ثم إن كان هؤلاء الموقعين "صغارا" فما كان عليك أن "يصغر" رأيك هكذا في حقهم، إذ أن لك امرئ الحق في أن يعبر عن رأيه ما دام رأيه لا يؤذي بشرا ولا وطنا ولا قيما أصيلة في المجتمع

كوني إذن أنت الأخت الكبيرة التي نتعلم منها كيف نزن الأمور، وكيف ندافع عما نراه حقا لنا، وحقنا هو استمرار أسرتين لم تشاركي كثيرا فيهما: أسرة الشعر وأسرة القصة والأخيرة لها تاريخ لا يمكن أن تمحوها جرة قلم تناست أبسط بديهيات الحوار والنقاش الخلاق، وتناست الأدوار الكبيرة التي كانت تؤسسها مثل هذه الأسرة العريقة.

لجنة الإبداع والأدب جاءت، كما تم التصريح بذلك، لتقوم بمهام ثقافية كبيرة، ولكن هذا أبدا لا يتعارض مع وجود هذه الأسرة، ومع اعتنائها بالسرد والقصة والاحتفاء بهما وتشكيل حراك "سردي" متواصل كما كان وكما سيكون بإذن الله

إنني أخاطبك لا لأني متحامل عليك أو غاضب من كلامك، بل لأن لك مكانة كبيرة في وجداني، كمسرحي أولا وكمثقف ثانيا، متمنيا أن لا تعمدي لنسف كل الرؤى الجميلة عنك، ولترتقي كغيمة إلى الأفق البعيد تهطلين عطرا ومطرا وثقافة واختلافا متوازنا، ولك مني كل المحبة والتقدير.

تعليقات

المشاركات الشائعة