إنجاز إبداعي

كان خبر القاص محمود الرحبي بالمركز الأول في مسابقة مجلة دبي الثقافية، خبرا مميزا، أصابني بالفرحة الكبيرة، وتمنيت لو أن النتائج أيضا تفرز فوز الشاعر المميز والجميل خميس قلم، إذ كنت على معرفة بمشاركته في المسابقة، وهذا ما حصل، فحاز أيضا خميس المركز الثالث في مجال الشعر
إنجازان يضافان إلى إنجازات أخرى تحققت في مجالات الإبداع العماني: القصة، الرواية، النص المسرحي، وأيضا الشعر...
عندما فازت جوخة الحارثي أول مرة في مسابقة الشارقة عن عملها القصصي مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل، سمعت وقتها بأن ذلك الفوز ما هو إلا ضربة حظ! وقال أحدهم: الجائزة غير معروفة وغير مهمة!
وتكرر الفوز في المسابقة إياها، حيث فاز المبدع محمد الرحبي في مجال الرواية التي لازالت في بداياتها بالسلطنة، وأيضا قد يظن أحدهم أنه فوز عادي! (بالمناسبة حصل كتاب آخرون في هذه المسابقة على جوائز وتنويهات: يوسف اللمكي في مجال المسرح ثالثا في إحدى الدورات، هدى الجهوري في الرواية أولا قبل عام، أحمد الرحبي، مريم النحوي، أزهار الحارثي: التنويه لمجموعات قصصية قدموها في دورات سابقة، برغم قلة الأعمال العمانية التي تقدم لهذه المسابقة ذات الحضور العربي الكبير، ولكن خلال عشر سنوات كان للمبدع العماني حضوره المميز فيها)
ثم جاء فوز سليمان المعمري بجائزة يوسف إدريس، ولحظتها تأكد لمن كان يقول مثل الكلام السابق بأنها ليست عملية فوز اعتباطية، ولكن ثمة ما هو أكبر من هذا: لدينا إبداع ومبدعون، إبداع يوازي ما يكتبه العرب الآخرون، ومبدعون يوازون أولئك الذين عرفناهم أسماء لامعة، وبأن مطربة الحي التي لا تطربنا تمتلك قدرات أهلتها لأن تكون مطربة للجميع!
مشكلتنا أننا لا نؤمن بأنفسنا، لا نؤمن بأن لدينا طاقات هادرة قادرة على ترصيع مشهدنا الثقافي بالعديد من الإنجازات، طاقات قادرة على أن تضعنا كقراء في صلب المشهد الثقافي والإبداعي العربي
إذ من يقرأ شعر خميس قلم مثلا يدرك تماما أنه شاعر عربي نبت في عمان، وليس شاعرا عمانيا يحاول أن يظهر نفسه على صعيد عربي، والأمثلة لا حصر لها: خميس قلم، علي الرواحي، عبد الله حمد، عبد الله العريمي، عائشة السيفي، حسين العبري، علي المعمري، محمد اليحيائي، سليمان المعمري، عبد العزيز الفارسي (الذي دخلت روايته للقائمة الطويلة للبوكر العربي مع أنها الرواية الأولى له) فاطمة الشيدي..... أسماء ليست عمانية فحسب، بل إنها عربية، لكن ينقصها بعض الدعم، ينقصها بعض التسويق، بعض الدعاية! والمشكلة الأكبر أننا بلاد تقع على الأطراف، مثلنا مثل بلد المليون شاعر ولا نعرف كعرب أي شاعر موريتاني قد يضاهي أسماء عربية متحققة.. لأنها أيضا لعنة الجغرافيا!
ولكن هذا الفوز، وكل فوز عربي حققه مبدعون عمانيون، هو واحد من سبل الدعم، والإعلان عن الكاتب والمبدع العماني، بأنه حاضر وبقوة في المشهد الثقافي العربي
يبقى أن تتولى المؤسسات الرسمية المعنية بالمبدعين عملية تكريم لائقة بمثل هؤلاء، وهذا التكريم ليس سيارة ولا شقة في منتجع من المنتجعات، ولا أيضا وساما من الأوسمة، أو مبلغا ماليا.. بل إبرازهم في المجتمع العماني، في المقررات الدراسية، في الاحتفاء بهم في المدارس والكليات وحتى جعلهم سفراء للمستشفيات والمؤسسات الخدمية، فهذا كفيل تماما بجعلهم يتوغلون في ثنايا المجتمع الذي كثيرا لا يعرف من هؤلاء وإن عرفهم فقد يعرفهم على صعيد ضيق تماما.
في النهاية أبارك لمحمود الرحبي الذي أكد أن السرد في عمان يمشي باتجاه صحيح، وبأن القصة القصيرة تشهد سنواتها الذهبية في عالم لم يعد يعنيه كثيرا فن كفن القصة
وأبارك لخميس قلم هذا الشاعر الذي يمتلك داخله طاقة شعرية هائلة، وكأنه قصيدة تمشي على الأرض، وأقول له: كنا بحاجة لمثل هذه الجائزة، فالشعر في عمان برغم مهرجاناته وبرغم أن كل حبة رمل عمانية تحتها شاعر، إلا أنه ظل مغيبا عن المشهد العربي طويلا
وشكرا لكما لأنكما بثثتم الفرحة في الأرجاء...

تعليقات

  1. مرحبا هلال..
    "لدينا إبداع ومبدعون، إبداع يوازي ما يكتبه العرب الآخرون، ومبدعون يوازون أولئك الذين عرفناهم أسماء لامعة، وبأن مطربة الحي التي لا تطربنا تمتلك قدرات أهلتها لأن تكون مطربة للجميع!

    مشكلتنا أننا لا نؤمن بأنفسنا، لا نؤمن بأن لدينا طاقات هادرة قادرة على ترصيع مشهدنا الثقافي بالعديد من الإنجازات..."

    أتفق معك تمامًا في ذلك. لدينا إنتاج بديع ينقصه التسويق. إن رواية كـ"الطواف حيث الجمر"-على سبيل المثال فقط- لم يُسوّق لها جيدًا، في حين أنها عمل أدبي إبداعي لا يقل عما صدر في أنحاء العالم العربي، بل والحق يُقال أن قيمتها الأدبية أعلى بكثير من رواياتٍ كثيرة تم "التطبيل" لها في الإعلام العربي على مختلف مستوياته.

    وكي لا أسترسل في الحديث عن الكتابة والأدب وأهرف بما لا أعرف، أعطيكَ مثالا مما أعرف: الترجمة. أؤكد لك يا هلال، وأنا مسؤول عن كلامي، أن لدينا بعض المترجمين في عُمان ممن مستواهم الترجميّ يوازي -بل ويفوق في بعض الأحيان- عديدًا من المترجمين المشاهير في العالم العربي، وتجد ترجماتهم في كل مكان.


    شكرًا على هذا المقال.

    ردحذف
  2. أتفق معك تمام الاتفاق يا أحمد
    المترجمون لدينا كفاءات لا يعرفها أحد، والمشكلة الأكبر أن يأتي أحدهم مغرورا بنفسه ويدعي أن لا ترجمة لدينا ولا حراك ترجمي

    دائما المشكلة في عمان هي في الإيمان بالذات وبتسويق إمكانياتها المتعددة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة