دائرة الفساد

أما بعد،،
فها نحن في يوم الثالث والعشرين من يوليو "المجيد" كما تم التعارف عليه عبر الإعلام الرسمي وغير الرسمي عبر سنوات من عمر جيل بأكمله وأكثر من جيل! مقترنا هذا اليوم بثورة الثالث والعشرين من يوليو "المجيدة" كما مازال تاريخ عربي يصر على أن يطلق عليها برغم انتفاء الثورة وبقاء القدس وفلسطين رهينة المحبسين: محبس الفلسطينيين الذين يتقاتلون بأيديهم، ومحبس الصهاينة الذين يبتسمون لهذا الهوان..
لا أريد أن أبتعد، ولابد أن أحصر كلامي عن تسعة وثلاثين عاما من عمر عمان الجديد، الذي كتبه سلطان مجيد هو قابوس سليل أسرة ماجدة قدمت لعمان كثيرا عبر ما يزيد عن مائتي عام
وفي تسعة وثلاثين عاما تغيرت عمان، ولم تعد السيوح سيوحا، ولم تعد عمان الصغيرة أشلاء بل باتت تعيش اجمل اللحظات، واحلاها! لحظات جمالية لا يمكن مقارنتها بما كانت قبل أربعين عاما من الآن..
لكن بعد هذا العمر الجميل، لماذا نأتي اليوم ونشكو أن بلادنا تعاني؟ لماذا نقول بأن وضعنا ينحدر إلى ما قبل الأربعين عاما التي كانت؟ حيث ثلاث مدارس فقط ونية لمدرسة بنات واحدة في مطرح، وحيث شارع لا يزيد عن عشرة كيلومترات يصل مطرح بمسقط فقط، وحيث مستوصف الرحمة أو المكان الذي غير من ديانات بعض العمانيين إلى المسيحية حيث التبشير! هل يمكن مقارنة اليوم بالبارحة؟ لا أحد منا نحن الجيل الجديد عاش ذلك الزمن المتخلف، فلم نحرم من شرب الماء الصحي، ولم نحرم من المجمعات التجارية، ولا السيارات الفارهة ولا الهواتف النقالة المزودة بالتقنيات المتعددة ولا مطاعم الوجبات السريعة، ولا حتى إمكانية أن تكون لنا صديقات عمانيات وغير عمانيات!
فلماذا كثير منا حانق وضائق بحال البلاد؟ لماذا هذا التجهم الذي يسود قطاعا عريضا من الدم الفوار؟ من الطبقة الأكبر في البلد: الشباب؟ هل لأنك يا أخي العماني لم تجد وظيفة بعد؟ لأنك خريج جامعي وربما تحمل شهادة ماجستير في مجال مميز ولكنك لم تحصل على الفرصة المناسبة أو أن مؤهلك لا يتناسب مع السوق وحاجاته أو لا توجد درجات مالية كافية! لأنك تشعر بأن شابا من بلد مجاور يصغرك في السن وقد حصل على امتيازات لا يمكن أن تحصل عليها إلا إذا خرجت أو خرج لك المارد من القمقم وقال لك هيت!
أعرف تماما أن ثمة فسادا حاصلا وهذا لا يمكن نكرانه لا في عمان ولا في أي بلد عربي آخر! هذه حقيقة حتمية لأن العرب أجمعين قد غيروا جلودهم منذ زمن، ولم يعودوا يسيخون السمع لا للماضي ولا للمستقبل، وما باليد حيلة! لكن ألست داخل هذه الدائرة من الفساد والظلم؟ ألا تمارس أنت شيئا من هذا وتجعل ضميرك نائما طوال الوقت؟
حسنا أنت تحمل الشهادة، وأنت شاب طموح وتستحق أن تكون مكان ذلك الوافد من أي بقعة في العالم، لأنك صاحب الأرض والجمهور، لكن أثبت هذا الأمر فالحياة عقيدة وجهاد! دافع عن وطنك، ليس بالكلمات الجوفاء، ولكن بقلب الموازين رأسا على عقب! مثلا يعني يمكنك أن تخرج من بلادك إلى مكان مجاور وحتى بعيد وتكون نفسك كما كون الشامي والمصري والمغاربي ذاته في بلاد الغربة، واستفد من التجربة، ثم تعال وافرض قدراتك وخبراتك هنا ما دام الوطن يضيق عليك! قل له: يا وطني إني راحل كأجدادي عبر البحار السبع أسيح بحثا عن المغامرة والحياة، وإني لعائد لك بالخبرات والتجارب الجميلة فإما أن تقبلني أو أظل في تلك البحار! أو كن ميكافيليا بلا ضرر ولا ضرار حتى تحصد ما تقدر عليه لوطنك في وطنك أو تخلى عن الشهادة وابدأ الحفر في الصخر كما كان أباؤك وأجدادك فأنت في مطلق الأحوال لست أفضل منهم، فإن كنت صاحب عود قوي فلابد أنك واصل لا محالة دون شطط الواسطات او الشهادات أو العدل الذي تبحث عنه!
لكن في كل الأحوال إدرء شبهة الفساد عنك قبل الآخرين، واعلم أن جدنا العماني الأول كان إنسانا مغامرا وإلا لما حاز عمان من أيدي الفرس ولا دحر على شواطيها وصخور جبالها غزوات الحجاج ومن بعده الرشيد
وانظر بعين ثاقبة تجاه ما حدث للعمانيين الذين أرادوا أن يكونوا كمن هم حولهم: أول ما جرى المال في أياديهم سرعان ما باتوا علكة في ألسنة المغاربة والتايلنديين، وبعد حين اكتشفوا أنهم عادوا إلى نقطة البداية، ولم يكسبوا غير الفضيحة! ساعدتها ستعرف أن دائرة الفساد ليست مقصورة على مسؤول كبير، بل هي تطال الجميع، ومن لم يخطئ فليرمها بحجر!

تعليقات

المشاركات الشائعة