عامان مرا
مر عامان على غيابك يا أيها الحاضر دوما، عامان مرا ما زلت لا أصدق فيهما أنني لن أقرأ قصائد جديدة لك، قصائد تحملني إلى فضاءات بعيدة، وأنا الذي كفر بالشعر منذ زمن، آمنت أنك قادر على أن تحملني إلى ذلك الفضاء الفسيح
وخلال هذين العامين كانت أشياء كثيرة تغيب، أشياء كثيرة تضمحل في القاع حيث التفاهة والغباء، أشياء كثيرة تتحول إلى نوع من المهاترات التي لا قيمة لها، وحتى عندما نناضل من أجلها نجد أننا أقل من المتوقع، ونجد أننا نقاتل الطواحين
هل نحتاج الآن إلى لحظة كشف جديدة لنعرف كيف أننا ضيعنا فرصنا التاريخية، وارتخينا، بل فضلنا أن ننام؟ هل نحتاج لمثل هذه اللحظة كي ندرك أننا اليوم بلا أي قيمة؟ بلا معنى في هذا العالم الذي يعج بكومة التناقضات التي توشك أن تقضي على الرمق الأخير في أملنا تجاه الحياة
لكننا نكتشف أو أننا قد اكتشفنا منذ زمن بعيد أن هذا هو ما أردناه: جثث لا معنى لها ولا قيمة تأكل وتشرب دون ان تدرك أنها عبء إضافي على هذا الكوكب الذي بات لونه اليوم كالحا مغبرا بفعل الخطيئة التي وضعها الرب في حناياه
ما الإنسان إلا نقمة على الأرض وينبغي للطبيعة أن تتخلص منه مهما كلف الأمر، وما نحن من بين كل البشر إلا تلك العورة التي وجب أن يستعر منها بنو آدم
لكن لماذا أنجرف إلى هذا الحديث بعد شهرين من قطيعة الكتابة هنا؟ لماذا لا أواصل ما يرتبه داخلي من يأس وبؤس واحساس بضرورة السلبية كحل مثالي لكل الإشكاليات التي نواجهها اليوم؟
عندما أتذكرك أيها الحاضر شديد الحضور في وجداني أتذكر انك كنت تضع بذرة المقاومة في أعماقي، أنت الذي هزمت الموت مرتين بل ثلاث مرات فالأخيرة كانت انتصارك الكبير عليه، بأن فاجأته بحضورك المباغته إليه
اليوم إذن مر عامان على رحيلك، وفيما قد يكون أحدهم كتب عنك كلاما عابرا قرر آخرون معنيون بالصحافة الثقافية أن يمارسوا وظائفهم وانشغالاتهم بالثرثرة المجانية دون الالتفات إليك
حدث هذا هنا في صحافة ميتة كصحافتنا الثقافية، التي هي جزء من ثقافة كبرى يراد لها اليوم أن تتقهقر إلى الوراء، ككل شيء في هذه الأرض، وكما هو الوضع في كل بلادنا الموسومة بالعار، المسماة تجاوزا بلاد العرب
وبرغم كل ذلك، سأفتح صفحات قصائدك وأتلوك كما لو انك حي جسدا، وأنت حي روحا ولن يحبسوك بهذا التجاهل في فاترينات عروضهم الثقافية السخيفة، لن يحبسوك بتآويلهم التي لن تفضي إلا لاكتشاف أنهم صغار لا يملكون عشبة جلجامش مهما فعلوا।
وداعا إذن من جديد
تعليقات
إرسال تعليق