رأي ورأي آخر

في حوار مع صديق عن حادثة اختطاف وتعذيب كل من سعيد الهاشمي وباسمة الراجحية، بالدرجة الأولى، وعن الاعتصامات، وما يحدث في البلاد حاليا، بالدرجة الثانية؛ أشار إلى استيائه من الصديق سعيد الهاشمي وباسمة الراجحية، وأسماء أخرى تم إرسال بريد إلكتروني سيء عنهم مشوها صورتهم لأي قارئ منطلقا ـ ذلك البريد الإلكتروني ـ من كون هؤلاء "علمانيين" و"يساريين" وغير "وطنيين" ومدعومين من الخارج وكلام كثير لا يتداوله هذا الصديق بل يتداوله كثير من الناس: هؤلاء ـ أي سعيد الهاشمي ومحمد اليحيائي ومحمد الحارثي وبسمة سعيد وباسمة الراجحي وناصر البدري وعبد الله الريامي وكل الأسماء التي وردت في تلك الرسالة الإلكترونية السخيفة، ينبغي كراهيتهم إن لم يصل الأمر إلى نفيهم وقتلهم لأنهم "خرجوا" عن ملة الناس!

لكن أيا من الذين يحملون على هؤلاء الجماعة ويريدونهم في خانة التغييب، هل كانوا على معرفة بهم؟ كيف صدروا أحكامهم بهذه السهولة وقالوا إنهم أناس فاسدون؟ هل عرف الناس ماذا تعني كلمة "علماني" أو "يساري" أو أي كلمة من الكلمات التي يتم تداولها حاليا؟

ألا ترون أيها الناس أنكم تخوضون في سير الناس بلا حجة ولا برهان، وتلقون التهم والصفات السيئة دون أن يكون أي واحد فيكم مستندا إلى واقع حقيقي وملموس سوى الكلام والإشاعات المغرضة؟

ها نحن الآن نعرض بسيرة كل من سعيد الهاشمي وباسمة الراجحي متناسين أن هذين الأخوين الكريمين لا يقومان بما يقومان به إلا من منطلق مصلحة عامة يؤمنان بها، فإن كنا على غير وفاق معهما أو غيرهما أينبغي علينا أن نخوض في عرضيهما ونأكل لحمهما حتى دون أن يكون مطبوخا؟!

أهذي هي الأخلاق الكريمة التي نصف أنفسنا بأنها تنبت معنا منذ الصغر؟ أهكذا نثبت أننا عمانيون "كرام" ومن نبتة طيبة لا تنتج إلا طيبا؟

لا أتحدث هنا عن دور جهاز الأمن في هذه الحالة السيئة، فهو إن كان يفعل هذا الأمر فإنه يقوم به من منطلق مخطط يعرف ماذا يريد من ورائه، ولكنني أتحدث عن الإنسان العماني الذي يبدو أنه يجيد أن يكلل نفسه بالصفات الحسنة الكثيرة، وعندما يأتي إلى الميدان فإن لغة الشتم والفضائح هي التي تحضر

هذا ما أراه الآن من حملة شرسة تجاه كل من هو معتصم، كل من يقول رأيا لا يريده الناس، فهم يرون أن كل المعتصمين يستحقون ما جاءهم من عنف واعتقال دون أي وقائع قانونية سليمة (وكما يروي كثير منهم فإن الشتيمة والعنف حضرا بشكل لافت في عملية اعتقالهم)

بل لو تم قتلهم جميعا فإن أحدا من الناس لن يتحرك، فهم قد "غشوا البقعة" كما يقال بالدارجة العمانية، "هؤلاء الجماعة من المراهقين الصغار الذين لا يمتون للشعب بصلة" فهل فعلا هم لا يمتون بصلة للشعب؟ هل هم فعلا لم يقوموا بعمل جيد لا نراه اليوم؟ ماذا عن المتغيرات التي تمت في غضون الأيام الماضية؟ ماذا عن الزيادات التي نلتموها حتى الآن ـ ونقطة الزيادات هي الأهم ـ هل هي غير حقيقية؟ ألم يذهب أبناؤكم إلى أعمال لطالما حلمتم بها؟ برغم أننا ندرك جميعا أن ليس كل من سيعمل الآن يستحق أن يعمل في العمل إياه لأن هناك من هو أفضل منه من أبناء الوطن.. ولكنها مصلحة البلاد التي ينبغي أن تغلب في هذا الوقت الراهن

إنني أتمنى لو أن كل عماني ذهب ووقف لساعة واحدة فقط أمام مرآة ليشاهد نفسه متأملا ويسأل نفسه إن كان غير مخطئ تجاه من رفع عليه عقيرته بالشتم واللغة السيئة، ليكن صادقا مع نفسه: هل يتقبل الاختلاف مع الآخر، أيا كان هذا الآخر؟ ولماذا كلما استاء من أحد اتجه إلى اللغة الحادة، لغة الشتائم حيث التحقير يتعالى إلى حد لا يطاق فعليا

لماذا كلما اختلفنا في أمر بات أحد الطرفين في خانة الأعداء الواجب التخلص منهم؟

الإشكالية الأهم هي أن من يفترض فيهم أنهم أكثر وعيا وأصحاب عقول متنورة هم أيضا لا يتقبلون أن يقال أمامهم رأي مخالف، إذ لابد أن تكون معهم قلبا وقالبا، وإن ذهبوا إلى الجحيم وقالوا لك تعال ينبغي عليك أن تذهب وإلا فإنك خرجت عن "السياق" سياقهم كما يبدو!

ويبدو أننا جميعا نطالب بالديمقراطية، نطالب بحرية الرأي وعندما يبدأ أحدهم بالاختلاف فإن إيجاد حملة شرسة ضده هو أسهل حل في ظل أن القانون يعاقب من يحاول إيذاء الآخرين أو التعرض لهم، وأقول الحمد لله أن الاختلاف لم يصل إلى حد التصفية الجسدية بعد!

تعليقات

المشاركات الشائعة