تساؤلات للمحاولة الفهم
بداية، فإنه ينبغي أن أوضح أني اكتفيت من الاعتصامات منذ تلك اللحظة التي قام فيها السلطان بذلك التعديل الوزاري الكبير الذي جاء ليقول للجميع بأن مساحة التغيير أوسع مما قد يظنها البعض
بل دعوت كثيرا من المعتصمين إلى العودة للحياة الطبيعية والعمل على تنمية الإصلاح فالإصلاح لا يبدأ إلا من أنفسنا
لكن هذا لا يعني مطلقا أن أهاجم من بقي معتصما، من اعتقد أنه ما زال هناك كثير مما ينبغي على السلطان/ الحكومة تنفيذه، وبأن ما تم ليس إلا القشرة وتظل مطالبنا مشروعة ولا تخل بأمن البلاد والعباد، كما كانوا يشيرون.
في صحار كان الوضع مغايرا، وكانت ثمة تغرة واسعة لا أحد يدري من الذي فتحها وجعلها اليوم أكثر اتساعا من ذي قبل. ولكنها ثغرة كانت سببا لأن يكره الكثير من العمانيين مقولة "اعتصام" بل أن يتم تحقيرهم، وجعل الجميع في سلة المخربين، إن صح وجود مخربين أصلا
أصبح الغالب من الناس يكرهون مقولات التظاهر، ويكرهون المعتصمين وكأنهم ليسوا عمانيين مطلقا، بل أعداء وجب اجتثاثهم الآن، وضاعت في خضم ذلك القضايا الأساسية التي يتشارك غالب الناس فيها، القضايا التي طرحتها تلك الاعتصامات وفي مقدمتها محاربة الفساد والمفسدين من مسئولي الحكومة
النسبة الغالبة الآن من الحديث لدى الجميع هي التخريب، القبض على مخربين، تشكيل عصابات، الاختطاف والتعذيب كما حدث مع سعيد الهاشمي وباسمة الراجحي، ومن قبل ذلك الاختلاف العميق في التوجه والأطروحات بين من هم ليبراليون مثقفون ومن هم يمينيون متدينون وخاصة بعد حادثة مسرح الفليج
ألا تلاحظون أن كلمة فساد بدأت تتوارى في الظل، بل بدأت تطلق على المعتصمين من باب أنهم يعطلون الحياة وبأنهم يدخلون البلاد في متاهة لا نهاية لها؟
ألا ترون أن أسماء فلان وعلان من المسئولين قد بدأت تختفي هي الأخرى تحت قوة الكلمات الجديدة التي دخلت إلى السياق بعد أحداث صحار الأخيرة ومن قبلها حادث مسرح الفليج ولو بدرجة أقل؟
تأتي قمة التغييب لمضمون تلك الاعتصامات ورسالتها بعد حادثة الخطف والتعذيب التي تعرض لها كل من باسمة الراجحي وسعيد الهاشمي.
ولا أخالني أبتعد عن الصواب إن قلت إنه تغييب ممنهج، تعتمده الأجهزة الأمنية بغية إعادة الأمور إلى سياقها السابق، وتضييق الدائرة على من هم معتصمون
ولأن المعتصمين لا يمتلكون خبرة في إدارة اعتصاماتهم فإنهم يقعون في هذا الشرك الأمني، لاسيما أن غالب مطالبهم "الشكلانية" حققت، وقد أثبت لهم السلطان أنه مع الشعب، وإلى الشعب، وبأنه فوق كل التوقعات المطروحة، وهذا سبب وجيه لأن ينفض الناس من حولهم، ولا سيما بعدما اتشحت تلك الاعتصامات بذلك الوشاح الجدلي بين فرقتين، أرادتا أن تقودا الشباب إلى قضاياهما الفرعية كعريضة الدستور، وضرورة التمسك بالدين الإسلامي كمصدر للتشريع وأساس للأخلاق والقيم
كثير من الشباب ما كانت هذه القضايا أساسية بالنسبة له، ما دام سيحصل على عمل، ما دام ستحل له معضلة الرزق، فالإنسان العادي الذي لم يتم تأهيله بالدراسة النظامية بالشكل الكافي، لن يلتفت إلى هكذا قضايا بل سيكون كل همه أن يجد حياة كريمة يستطيع من خلالها توفير مهر لعروسه وسيارة مستعملة أو جديدة وإعادة تعمير بيت العائلة الصغير..
هل يمكن للدستور مثلا، الدستور الذي يفترضه الأصدقاء المثقفون أن يحل معضلة الجهل الثقافي والفكري الذي يعاني منه كثير من شباب هذا الوطن؟ أغلب الشباب هؤلاء عاطلون عن العمل، وأكثرهم لا يملك شهادة جديرة بالاهتمام، إلا ثانوية أو ربما ما هو أقل من ذلك، لأن نظاما التعليمي لم يكن معنيا بالتعليم ذاته، وبإلزام الأسر بأن يتواصل المرء في تعليمه لما بعد الجامعة، وهذا أمر أغفلته الحكومة ولم تعره أي اهتمام
النتيجة واضحة الآن جراء هذا الخطأ الثقافي الهائل، فأجيال نشأت على أن الشهادة العلمية الجامعية غير مهمة، وبأن عملا في الجيش أو الشرطة أو أي مكان حكومي هو الأهم، وحتى كثير من الجامعين الذين تخرجوا ماذا هم الآن؟ أليسوا "فقاعة"؟ مع الاعتذار لهم.. فقاعة لأنهم نهلوا العلم ضمن جامعات ومؤسسات جامعية همها المال، المال وكفى كما هو الحال مع جامعات ومؤسسات القطاع الخاص.. لا ذنب لهم في "تجهيلهم" فهذا ما أوجدته الإستراتيجيات الحكومية، بل أيضا التنشئة النابعة من البيئة، تلك التي تصر على حضور الفرد ضمن القطيع، ولا يمكن للفرد في القطيع إلا أن يكون واحدا منهم لا قرار له إلا في النظام الجمعي فقط.
وإذا كان جماعة الدستور، الأصدقاء الذين أكن لهم كل تقدير، وأدرك أنهم يفكرون للغد، لا يستطيعون أن يشكلوا قاعدة جماهيرية لا لسبب إلا لأن السنوات الماضية كانت الثقافة وضرورة العلم ليست بتلك الأهمية، أو أنها كانت سطحية إلى أبعد ما يكون؛ فإن قاعدة المنادين بالإصلاح من باب الدين/ الإسلام وبرغم أن مجتمعنا متدين محافظ إلى كثير من الحدود، فإنهم أيضا فقدوا كثيرا من وضوح الصورة، وباتوا عرضة للسخرية وربما الكراهية في أسوأ الأحوال، ولا أخال أن أفكارهم التي يطرحونها ستجد قبولا في مجتمع لا يريد أن يعود إلى سنوات أريد لها أن تكون سنوات "انغلاق"
هكذا يفقد الطرفان كثيرا، وهكذا ينفض المستمعون عن جلساتهم فلا يبقى إلا من كان قريبا، ومن كان له حاجة.
وعودة إلى السياق الذي بدأت به الحديث، حيث الحراك الأمني كيف يعمل، حيث تضيع الأفكار الأولية في خضم أحداث هامشية تقفز فجأة إلى الواجهة، كاعتقال شعراء وصحفيين، والزج بهم مع متهمين بالتخريب ـ ولا أحد سيسأل لماذا بقي بعض المخربين وهم كانوا معرفين إلى اللحظة التي سقط فيها شهيد آخر ـ ثم القبض على مجموعة من "المراهقين" بتهم التخطيط للتخريب، وتشكيل عصابات، لم نسمع بها في تاريخ عمان
وها هي كما أسلفت تكلل بحادثة جديدة هي اختطاف وتعذيب اثنين ممن ما زال يتحدث بلغة عقلانية في اعتصامه، وينطلق من مبادئ وأفكار له الحق كل الحق في أن يطرحها بكل الحرية ما دام لم يخرب ولم يتعمد إلى التحريض على التخريب
أين اختفت القضايا الأساسية إذن؟ ولماذا بتنا الآن نتحدث عن الهامش؟
حتى في حادثة الهاشمي والراجحية لم نفكر في الفكرة، وإنما انطلقنا إما نشتم الأجهزة الأمنية، أو ندافع عنها دون أن نفهم لماذا يحدث مثل هذا الأمر في عمان؟
لأفترض مع من افترض بأن قصة اختطاف سعيد الهاشمي وباسمة الراجحي هي قصة ملفقة، وعليه أطرح تساؤلا: من يتضرر بهكذا قصة؟ هل هو جهاز الأمن أم من قام بتلفيقها؟ شخصيا أكاد أكون متيقنا بأنها ليست ملفقة
حسنا، لماذا هذا الشخصان بالتحديد؟ طيب ما الذي جعل كلا من صالح العامري وعلي المخمري وطالب المعمري يزج بهم مع المتهمين بالتخريب؟ ألا يعرف الأمنيون من يكون هؤلاء؟ قد لا يكون هناك رابط، إلا أنني أقول كما يقول المثل: إياك أعني واسمعي يا جارة!
ولأفترض مع من افترض بأن القصة قام بها أناس لا علاقة لهم بجهاز الأمن وبرجالاته لأسأل: لهذه الدرجة باتت الوطنية تشددا؟ ثم لماذا أفلتت باسمة الراجحي دون فضيحة (عليكم أن تسألوا هذا السؤال عندما تفترضون أنها لفقة القصة أيضا، وتضيفوا عليه: أنها فتاة عمانية من بيئة عمانية غاية في المحافظة، وليست قادمة من اوروبا، بل إذا افترضنا أن "مراهقين" هم من قام بهذه العملية، ألهذا الحد من الإتقان يصل أداؤهم؟)
وبعيدا عن كون القصة مفبركة أو إنها حركة مقصودة، لينظر كل واحد في درة الفعل التي قام بها: الأغلب قال بكل قوة: يستحقون ذلك! كما هو الحال في أحداث صحار الأخيرة، إذ بات من غير الأهمية أن ينظر إلى هؤلاء على أنهم يعبرون عن حقهم في الحياة، بل إنهم مجرمون يستحقون كل ما يحدث لهم
لو أن هذه الحادثة جاءت أبكر أكثر من ثلاثين يوما، هل كان الناس لهم وجهة النظر ذاتها الآن؟ سيما بعد لغة التحقير والشتم التي تم إعلاؤها ضد هؤلاء سواء في المنتديات الإلكترونية أو عن طريق الرسائل البريدية
ومن جهة أخرى، لو أن سعيد الهاشمي وباسمة الراجحي طالبا الإدعاء العام بأن يبحث في القضية هل تعتقدون أنها ستصل إلى شيء؟ غالب الظن أنها لن تلقى أي اهتمام وربما تغلق إن لم تقلب على صاحبيها
الأمر يقاس على تلك الرسائل الهاتفية التي كانت تأتي من أرقام مجهولة تحثنا على المسيرات (القاسمة للشعب الواحد) إن رفعت قضية هل يمكن أن نتوصل إلى شيء حقيقي؟ لربما جاء الجواب: ليس فيها أي إزعاج!!
لا أريد أن أكون متحاملا على الأجهزة الأمنية، ولكنني أحلل الأحداث الحالية، وأتمنى لو أكون مخطئا في تحليلي
وعودا على بدء: هل نتذكر المطالب التي كانت في عرائض الاعتصامات، أم أننا الآن نهتم بأن الذين اعتصموا يستحقون ما يأتيهم دون أن نفكر في دلالات ما يحدث، ودلالات من قام به
ولعل مجموعة "المراهقين" في صحار الذين قبض عليهم لأكبر دليل على أن المسألة تدار بعقلية شديدة الذكاء/ الغباء ولا تفكر في أن الجمر يظل حاميا ويمكن له أن ينفجر في زمن لاحق، لعلنا لا نكون فيه كلنا!
مقال جميل ومنطقي جدا،لكن هل كان التجهيل حسب اعتقادك ممنهجاعبر الاربعين عاما؟
ردحذف"فقاعة لأنهم نهلوا العلم ضمن جامعات ومؤسسات جامعية همها المال، المال وكفى كما هو الحال مع جامعات ومؤسسات القطاع الخاص.. لا ذنب لهم في "تجهيلهم"
وبما أن المؤسسات التعليمية الخاصة تأخذ من المال ما يساوي او أكثر من ابتعاثهم غلى الخارج،وبما أن ه1ه المؤسسات تأخذ من الدعم المالي الحكومي الكثير، ماذا على الهياكل الحكومبة فعله للخروج من هذا القمقم؟