حكمة أبي بهلان المسالم

أما بعد،

فيذكر بأن رجلا كان يدعى أبا بهلان المسالم قد تعرض لمضايقات شديدة عند بوابة مدينة المساقط الكبرى ـ وهي مدينة تقع شمال خط الإستواء، وتعرف بجوها المتقلب، وببياض قلوب أهاليها وحبهم الكبير للناس والضيوف خاصة وكرمهم الشديد مع كل عابر سبيل ـ وعندما تساءل: لماذا لا أدخل؟ قيل له بأن التعليمات الواردة من أبي رقيبة تقتضي بمنعه من الدخول (وأبو رقيبة ليس المناضل العربي الكبير والرئيس فيما بعد إذ أنه مجرد تشابه أسماء، وقد سمي بأبي رقيبة نظرا لرقبته العملاقة التي تشبه جدارا ضخما، ولأن الناس تحب التفاؤل فقد صغّرت رقبته فأصبح يكنى بأبي رقيبة) فعاد يسألهم مجددا: لماذا المنع؟ فأخبروه بأنها أوامر، وبأنك منذ قرون ممنوع يا أبا بهلان حتى لو كان أبناؤك في الداخل

كان أبو بهلان المسالم رجلا ذا خلق وفكر وعبقرية، وعد في زمانه ينبوع إبداع وقدوة لكل المقتدين ومثالا طيبا للفتية الشباب الراغبين في أن يكونوا مثله أو قريبا منه

وكان شاعرا يحض الناس على التمسك بالقيم ويحرضهم على عدم الاستكانة للظروف التي تتغير إن وجد المحرك الأساسي لتغييرها

وعندما أشرقت الشمس في بلاد السعادة المفرطة منذ سنوات كان أبو بهلان مسافرا، يجوب الأزمان والأفكار والخيالات، حتى سمع به شاب من شباب مدينة المساقط الكبرى، كان ذلك الشاب هو حارث المحمود بن شويعر المشعور، والذي أغرم بنتاج أبي بهلان، واستغرب أن لا يقام له نصب في المدينة التي أحبها الاثنان، وعندما تعمق في السؤال علم أن أبا بهلان ما يزال حيا يرزق، وبأن الموت ما هو إلا فكرة لا تقضي على الأفكار الكبرى كأبي بهلان العابر للزمان والمكان

عندها قرر أن يستخرج تأشيرة له، وقد كان حريصا على أن يكون كل شيء وفقا للقانون والآداب وبأن يعيد لهذا الرجل المسالم حقه في الحياة الكريمة مع أخوته في المدينة المفرطة السعادة

ولكن أبا رقيبة كانت رقبته تسد قرص الشمس وتحاول أن تخفي ضوءها الوهاج وتمنع ما تعتقد أنه قد يسبب سرطان الجلد لسكان المدينة الطيبين، ولهذا فلا غرابة أن تكون رقبته العملاقة سوداء ووجهه محتقن جراء أشعة الشمس الحارقة

جاء الحارث إلى البوابة وأظهر للحراس تأشيرة الدخول وقال بأنها قانونية ولا يوجد ما يمنع اليوم من دخول أبي بهلان إلى مدينته ذات السعادة المفرطة ليعيش مع أبنائها ما بقي من عمره المديد

غير أن الحراس قالوا له هو الآخر بأن الأوامر تقتضي بمنع أبي بهلان وأخوة آخرين له من الدخول مطلقا لهذه البلاد قد حددوا سلفا لأنهم وفق الورقة التي جاءتهم يمثلون خطرا على شباب المدينة السعيدة ولا يمكن لأبي رقيبة أن يساهم بأي شكل من الأشكال في تدمير أبناء مدينته الغراء

لم ييأس الحارث وظل يحاول في الحراس الجامدين فيما أبو بهلان في ركن قاعد بابتسامة، وعندما أعياه التعب، وتيقن بأن الحراس لن ترق قلوبهم لا لنداءاته ولا لمنظر الرجل المنزوي في جانب؛ قرر أن يحاول محاولة أخيرة بأن يطلب مقابلة أبي رقيبة، لحظتها فقط قام أبو بهلان وقال له: خلف هذا الجسد ـ مشيرا إلى جسده الضخم ـ فكرة، والفكرة لا يمكن منعها من الدخول! ثم مضى فيما الحارث أعطى ظهره للحراس وابتسم مدركا الحكمة التي نطق بها الشيخ الجليل أبو بهلان، ومضى وراءه حتى تواريا عن الأنظار!

تعليقات

  1. لن يتواريا عن الأنظار كثيرا على ما آمل :)
    سلام للحارث الذي لا ييأس ..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة