كلام كثير فاتني

منذ آخر مرة كتبت فيها هنا مستاء من بيان شرطة عمان السلطانية حول القضية التي فجرها مقال كتبه الصديق عاصم الشيدي، تلك القضية التي لم تصل إلى قاعة المحكمة (وذلك لحكمة قد يعرفها الكثيرون الآن) ذلك البيان الذي أرى أنه أساء للشرطة أكثر من كونه أزال سوء الفهم وجعل صورة الشرطة جيدة أمام الناس، أقول: منذ ذلك الاستياء العارم وشبكة الإنترنت وجهازي المحمول يشاركاني الاستياء بالعطب المباغت الذي أفقدني القدرة على أن أكون على تماس مع القرية الصغيرة (وربما هذا شيء لا أبالي له كثيرا فهي فرصة مثالية للتخلص من الشاشات التي "تشفط" النظر بتسارع كبير)
ولكن كان ثمة كثير من الأمور التي كنت أود الكتابة عنها، كمواصلة الاستياء من البيان مثلا والذي قلت بأنه أساء ولم يخدم كما أرى من وجهة رجل يعمل في نظاق العلاقات العامة ورسم الصور الذهنية لأي مؤسسة بما يخدمها ويجعل الناس والمجتمع متقبلين لها ناقمين بصورة ضيقة
كانت أمنيتي مذ بدء الموضوع مع الصديق عاصم أن يتضح للناس أن هناك أناس يخطئون استغلال السلطة، وهذا أمر لا مفر منه في أي مؤسسة وأي مكان وزمان، بحيث يعترف جهاز الشرطة بوجود المخالفات، وهي مخالفات لا تقتضي القضاء على الصورة المشرقة التي يودها مسئولو أي جهاز أو مؤسسة خاصة أنها تقدم " خدمات " للناس ولعل الشرطة أفضل جهاز يقدم خدمات مميزة في مجال الأحوال الشخصية والمرورو واستخدام التقنية الحديثة
لكننا لن نقتنع أن يكون كل هؤلاء العاملين هم أبرياء وصالحون، فالنفس البشرية أمارة بالسوء دائما وهناك من يستغل موقعه لمصالح خاصة وهذا ما لا يمكن أن يتم نفيه في مجتمع كعمان
لو أن جهاز الشرطة كان جادا بحزم في القضية و"حيد" جهاز الإدعاء العام، لكان كسب الناس في أغلبهم، واستطاع أن يبني صورة ذهنية جد متوافقة مع التصريح الذي صرح به المفتش العام للشرطة والجمارك الذي نبهنا بان هناك مسئولا جادا ويعنيه كل ما يكتب ويحاول جادا أن يفعل كل ما لديه من إمكانيات كي يخدم الوطن
لكن للأسف الشديد جاء الإدعاء ليقول بأن لا مخالفات حدثت، وبأن هناك من هم مخولون بتحويل هذه المخالفات "بطريقة شرعية وقانونية" ولعلي أتساءل: أين الجانب المهني في الأمر؟ أي لماذا لا يخطر أصحاب تلك المخالفات المحولة قبل تحويلها والتأكد فعليا من سلامتها؟ هذا كما أشرت سابقا باقتضاب
هل ستصدق الناس القصة، قصة أن الشرطة بريئة تماما؟ وخاصة مع الكشف عن تزوير رخص القيادة في محافظة البريمي، وهذا الكلام يتناقله العمانيون كثيرا وفي أكثر من منطقة؟
شخصيا لا أعتقد، بل إني أرى أن البيان كان محاولة لعدم الوصول إلى قاعة المحكمة كي لا تنكشف ورقة التوت مع قضاء بدا حتى الآن والحمد لله نزيها في أكثر من قضية ومناسبة ولا يعنيه وزن المتقاضين أمامه فكلهم سواء أمام منصة القضاء
لقد انتهت الآن القضية، ولكن كثيرا من الناس أصبحت تنظر إلى الشرطي ـ ضابطا أو مسئولا أو جنديا عاديا ـ بنظرة ريبة قد تصل إلى كراهية، وهذا قد يكون فتت كل إنجازات هذا الجهاز الذي يقدم خدمات ما زلت أراها غاية في الانطلاق إلى حافة المستقبل وبروح عالية العطاء
الأمر الآخر الذي كنت أود الكتابة عنه هو البوكر العربية، ولعلي سأكتب عن هشاشة الثقافة العربية وانكشافها فعليا مع وجود مثل هذه الجائزة، وانهيار مراكز قوى ثقافية كمصر التي أبدى مثقفوها سجالا كبيرا في البوكر وانهالوا عليها كمن يرى أنها أساءت لمصر وللأديب المصري "الكبير"
فعليا لم أكن أتوقع الحملة الشرسة من قبل جابر عصفور وجمال الغيطاني وصبري حافظ وأسماء ثقافية بارزة في الوسط الثقافي العربي، وأخذت تقيم لجنة التحكيم وتخترع لأعضائها مراتب في الثقافة والأدب كأن يكون رئيس اللجنة طالب الرفاعي روائيا من الدرجة الثانية، فمن أنتم كي تعطوا المراتب والتقييمات لأي كان حتى لو لم يكن أديبا معروفا بالنسبة لكم كطالب الرفاعي أو من معه؟
لقد أثبت الوسط الثقافي المصري هشاشته وشلليته الفعلية في جائزة البوكر، وأفقدنا الثقة في كثير من الأسماء الأدبية المعروفة، إذ عرفنا ضيق الأفق لديهم وعدم قدرتهم على هضم الآخر أيا كان، ولذلك يتراجع المصريون اليوم في كل مجال وللأسف بعدما كانوا هم في الريادة، وهذا بدوره يشكل خطرا على مجمل الثقافة العربية
وليس بعيدا عن الجو الثقافي كنت أود الحديث عن جمعية الكتاب وانتخاباتها وقوائمها المرشحة، ولكن الوقت لم يفت تماما على ذلك، وربما كانت كتابتي المقبلة عن هذه الجزئية

تعليقات

المشاركات الشائعة