وماذا بعد؟


منذ مايو الماضي، عندما بدأت الحكومة الجزء التالي من خطتها الأمنية على ما يبدو في التعامل مع موجة الاحتجاجات "الشبابية" ظن كثيرون أن الأمور مآلها إلى هدوء، وبأن مبدأ الجزرة والعصا لابد أن يؤتي ثماره، وستعود البلاد كما كانت قبل السابع والعشرين من فبراير الماضي: هادئة مطمئنة، كل شيء فيها "تمام التمام" وبأن ما حدث ما هو إلا سحابة "تقليد" أعمى لما هو حادث في الجوار، فالحمد لله البلاد تعج بالخير والهناء والاستقامة، ولا مؤشرات أو أدلة ملموسة على فساد مزعوم أو ظلم واضح

وكما كنت أتوقع وأتهيأ، فإن الصورة المراد رسمها على أنها مشرقة وواعدة ما هي إلا أيام وشهور وتنكسر تحت وطأة شباب لم يعش ما عاشه جيل سابق من ضنك في الحياة وصعوبة، شباب جاء للدنيا وهو يرى أقرب الجيران ينعم بكل الخيرات، ويسمع ويقرأ أن بلاده منتج للنفط والغاز ويصرف على احتفالات أعيادها الوطنية المليارات وبأن هناك خططا اقتصادية ضخمة ستحمل المواطن من حالة العوز إلى حالة الاستقرار.. يسمع أن خلايا تجسس تريد هدم هذا الحلم العماني، وبأن مؤامرات تحاك ضد هذا الوطن "الثري" ليس بأمواله ومقدراته الطبيعية والاقتصادية بل بتاريخه وحضارته ومتانة شعبه الأصيل

ثم لا يرى شيئا على أرض الواقع سوى مزيد من الضنك، مزيد من التعب، وكأنما على الأبناء أن يعيدوا سيرة الآباء ولو بصورة مغايرة قليلا..

هؤلاء الشباب جرى اتهامهم بأنهم محَرضون من قبل الفيسبوكيين، ومن قبل المدونين، ومن قبل عناصر لا تحمد الله ولا تشكره على الخير الذي تنام عليه، وقيل بأنهم قليلو التربية، لا يعرفون آداب التعامل مع من هم أكبر سنا و"شأنا"

ولذلك حالما يختفي هؤلاء المحرضون، فإن الشباب سيعودون إلى جادة الصواب.. فيما يبدو أنه لا يعكس الصورة الفعلية لما هو حادث على أرض الواقع، فليس كل المحتجين شباب، وليس كل هؤلاء متصلون بالإنترنت أو ينصتون إلى "الناقمين" على حد تعبير بعضهم

الصورة الفعلية أن هناك أناس يعيشون وطأة الخذلان، يعيشون واقعا ظالما، لا كرامة فيه، ولا عدالة ولو في أقل مستوياتها.. والناس كانت ترضى ولو بأقل القليل، لكنها تتفاجأ أن كثيرا من الوعود البراقة ما هي إلا خديعة، وما هي إلا "إبرة تخدير" كي يمضي القطار إلى محطته..

طبيعي إذن أن يعلو الصوت، ويستمر في العلو، فإن كان الحل هو المواجهة فلا بأس، لأن المهدر حقه وكرامته لن يكف عن الصراخ في وجهك وفعل ما لا يعجبك.. لا تعد فقيرا أهدرت كرامته، ولا تقف في وجه مجروح يدرك أن جرحه يودي به إلى الفناء، فكلامه قد باع كل شيء ولم يعد لديه أمل، وأمله الآن عندما يخرج صوته

هل فكرت الحكومة الموقرة في هذه الحالة الإنسانية؟ هل أعدت العدة المناسبة لمواجهة إنسان يكتشف أنه مخدوع وبأن كل أمنياته لم يتحقق منها سوى الفتات؟

أعتقد أنها ما تزال تنظر بالطريقة إياها، حيث تعتقد أن الناس يمكن تسييرهم إلى حيت تريد هذه الحكومة، ولا يهم ألف أو ألفان أو حتى عشرة من ضمن ثلاثة ملايين يخرجون يصرخون يطالبون ينددون يشجبون يعتصمون، فصورتهم الآن مشوهة وما هم إلا صغار القوم في النظرة العامة

وستمشي الأمور كما كانت.. وهي كذلك، بدليل أنه وخلال الأيام المنصرمة، ومع خروج مسيرات واحتجاجات جديدة لم أر في أي وسيلة إعلامية أي تعاط مع الأمر، وكأنه يحدث في اليمن في سوريا في مصر في تونس في ليبيا في البحرين، إنما معنا فإنه لا يحدث، إذ إن كل شيء هو بخير والحمد لله.. ووطننا جميل ولا يحتاج إلى فرد مساحات من النقد، وعلى الإعلام أن يواصل مشروع التجميل والصورة الناصعة

لذا فإن مقالا كالذي أرفقه اليوم لن تجد له طريقا في صحافتنا العمانية، سيما في هذه الأيام حيث يوليو التغيير والثورة والكلام الذي لا يتوقف عن المعجزة التي لم تتوفر في أي بلد من بلدان العالم





ماذا يريد الشباب الآن؟

هدى حمد



ينتعش السؤال في ذهن كل واحد منّا: "ما الذي يدفع شريحة كبيرة من الشباب للخروج إلى الساحات في كل من صحار وصلالة وصور، بعد أن تهيأ لنا أنّ الأوضاع هدأت واطمأنت النفوس لعدة أشهر؟" أين هي المشكلة؟

ربما المشكلة تكمن في الجهات المعنية التي تعمل بصمت، وهذا الصمت هو ما يثير الشكوك، ويشعل فتيل الاعتصامات من جديد.. فالأمر ربما يرتبط إلى حد كبير بالتغيرات التي شهدناها لفترة من الزمن ثم ما لبثت أن توقفت؟ كما أن بعض القرارات الحاسمة لم تنفذ بالسرعة التي ظنناها، وبعضها أوقف!

نتفق تماما أنّ أمورا من قبيل افتتاح جامعة جديدة، أو بنكا إسلاميا يلزمه الكثير من الوقت، ولا يمكن أن يُنجز بين ليلة وضحاها، ولكن ماذا عن صرف 150ريالا للباحثين عن العمل التي استمرت لعدة أشهر قليلة ثم توقفت فجأة من دون إيضاح أو تفسير للسبب؟ ماذا عن تفعيل صندوق الزواج الذي أقرت اللجنة صرف أربعة آلاف ريال للمقبلين على الزواج لأول مرّة الذين لا يتجاوز دخلهم 500 ريال عماني، لماذا لم يُدشن الصندوق إلى الآن؟

ماذا أيضا عن تشكيل لجنة من المختصين لوضع مشروع لتعديل النظام الأساسي للدولة.. كان من المفترض أن تنجز في مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ صدور الأمر، وإلى اليوم لم نسمع ولم نرَ شيئا؟ وماذا أيضا عن منح مجلس عمان المؤلف من مجلس الشورى المنتخب ومجلس الدولة المُعين، صلاحيات تشريعية ورقابية.. كيف ستُفعل هذه الصلاحيات، وتُباشر من قبل الأعضاء، خصوصا وأننا نتهيأ لانتخابات مجلس الشورى.. أم أنّ هذه المقاعد ستبقى مقاعد وجاهة لا أكثر؟

هنالك الكثير من القرارات تمت ربما تحت ضغط من الشعب.. كما هو حال الوظائف الذي نخشى ما نخشاه أن تُورطنا في بطالة مقنعة، لذا علينا بالفعل أن نعيد فتح الملفات حول توزيع الخمسين ألف وظيفة للباحثين عن عمل.. هل تمت؟، وهل ذهبت لمن هم أهل بها أم لعب فيتامين "واو" كما يقال دوره مجددا في اللعبة؟

إذن تعود الاعتصامات مجددا لإعادة إيصال صوت الشعب العماني، وإحساسه بعدم اكتمال الطموحات المرجوة، لذا ينبغي على المسؤول أن يمنح المواطن الإجابة الكافية والشافية، وعلى الإعلام أن يعود مجددا ليفتح منابره مع الفئة الأهم في المجتمع "فئة الشباب".. ليستمع إليها جيدا عبر البرامج القوية التلفزيونية من مثل "حوار الشباب"، وبرامج الإذاعة من مثل "منتدى الوصال"، فلا ينبغي أن تُفرغ هذه البرامج من محتواها الحقيقي، لمجرد أنّ الأمور هدأت قليلا.. بل ينبغي أن تقترب من نبض الشارع، وتعرف ما يدور في الخفاء.

الأجدر بالحكومة الآن أن تأخذ نفسا عميقا، وتبدأ جدولة أعمالها وخططها بوضوح تام مع الشعب..لنعرف إلى أين وصلت الأوامر السامية من حيز التنفيذ؟ وذلك عبر الوسيط المرئي والمسموع والمقروء.. فمن شأن ذلك أن يُطمئن الناس.. فالصمت الإعلامي في الأشهر القليلة الماضية هو ما أعاد تدفق الحماسة إلى الشباب. بالرغم من أنه لا ينبغي أن ننكر أنّ البعض ترك وظيفته البسيطة أملا في وظيفة مرفهة، كما حلم البعض الآخر بإسقاط الديون، وزيادة الرواتب، وكأنها الحل الوحيد أمام قفزات الأسعار، وغيرها من الأحلام الشخصية، إلا أنّ هذا لا ينفي أبدا حق المواطن في أن يحلم بوطن أفضل وأجمل، يحلم بمؤسسات مدنية نزيهة تدير عملها بعيدا عن أشكال الفساد والمحسوبيات..

لذا يبقى السؤال الأهم الذي يجب أن تبادر جميع الجهات لمعرفته: "ماذا يريد الشباب فعليا؟"، وكيف يمكن إيجاد وسيلة خطاب بعيدا عن أي شكل من أشكال قمع الصوت؟

المشاركات الشائعة